الشّبهة عن ضرب الأمثال الّذي فيه معظم الانتفاع بالكتاب مضافا إلى ما قيل في سبب النزول أن الله لما ضرب المثلين للمنافقين قبل هذه الآية في قوله : (مَثَلُهُمْ) (١) قال المنافقون : الله أعلى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال فنزلت ، أو أنّه لمّا ضرب المثل بالذّباب والعنكبوت تكلّم فيه قوم من المشركين وعابوا ذكره فنزلت.
بل قد روى سببيتهما معا لذلك كما في تفسير الإمام عليهالسلام عن الباقر عليهالسلام قال لمّا قال الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) وذكر الذباب في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) (٢) ، ولما قال : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٣) ، وضرب المثل في هذه السورة بالذي (اسْتَوْقَدَ ناراً) وبالصيب (مِنَ السَّماءِ) قالت الكفار والنواصب : ما هذا من الأمثال فتضرب ويريدون به الطعن على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال الله : يا محمّد (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) لا يترك حياء (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) للحق ويوضحه به عند عباده المؤمنين (ما بَعُوضَةً) أي ما هو بعوضة المثل إذا علم أنّ فيه صلاح عباده ونفعهم (٤).
وذلك أنّ الناس لفي غفلة وغمرة عن إدراك المعقولات لتوغلهم واستغراقهم في الإقبال على المحسوسات فاستعين على تقريب المعاني الى الأذهان ورفع الحجاب عنها بابرازها في كسوة المحسوس المأنوس كي يساعد فيها الوهم العقل
__________________
(١) البقرة : ١٧.
(٢) الحج : ٧٣.
(٣) العنكبوت : ٤١.
(٤) تفسير البرهان ج ١ ص ٧٠ عن تفسير الامام عليهالسلام.