هذه الجبال وطول هذه القلال ، وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات الخطبة بطولها (١).
هذا مع أن التمثيل بالأشياء الحقيرة شايع جدّا عند العرب وغيرهم فقالوا في التمثيل : أضعف من بعوضة ، وأعزّ ، من مخ البعوضة فيما لا يوجد أصلا وكلفني مخ البعوضة في التكليف بما لا يطاق ، وألح من الذباب ، وأطيش من الذباب ، وأشبه بالذباب من الذباب ، وأضعف من فراشة ، وأجهل من فراشة ، وأطير من جرادة ، وأعظم من جرادة ، وأفسد من جرادة وأسمع من قراد إلى غير ذلك ممّا لا تحصى.
وفي الإنجيل : لا تشرّدوا الزنابير فتلدغكم ، كذلك لا تخاطبوا السفهاء فيشتموكم.
وفيه : لا تكونوا كالنخل يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة كذلك أنتم تخرج الحكمة من أفواهكم وتبقون الغلّ في صدوركم.
وفيه : قلوبكم كالحصاة الّتي لا تنضجها النّار ولا يلينها الماء ولا ينسفها الرياح ، وغير ذلك من الأمثال الكثيرة مع أنّه لا يخفى أنّ المقصود من التمثيل زيادة الإيضاح والبيان للمعنى الممثّل له فهو تابع له في العظم والصغر والشرف والخسّة دون الممثل بالكسر فربما تقتضي الحال التمثيل بالأضعف الأعجز تنبيها على نهاية ضعف آلهتهم وعجزها كما في قوله : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) (٢).
فالذباب الّذي هو من أضعف الحيوانات يزاحمهم ولا يقدرون على دفعه إلى غير ذلك من الدّواعي الجزئيّة والموارد الخاصة.
وأمّا الثالثة فواضحة الدّفع والاستحياء استفعال من الحياء ممدودا ، وهو
__________________
(١) الخطبة ١٨٥ من نهج البلاغة.
(٢) الحج : ٧٣.