الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح ، وهو الوسط بين الوقاحة الّتي هي الجرأة على القبائح وعدم المبالاة بها ، والخجل الّذي هو انحصار النفس عن الفعل مطلقا فهو العدل المحمود بين طرفي الإفراط والتفريط يقال حيي الرجل منه من باب علم واستحيى منه ، وعنه واستحياه يتعدّى بنفسه وبكلّ من الحرفين.
قال في «الكشاف» : وفي اشتقاقه من الحياة يقال حيي الرجل كما يقال نسي وخشي وشطي الفرس إذا اعتلت هذه الأعضاء جعل الحيي لما يعتريه من الانكسار والتغير منتكس القوّة منتقص الحياة كما قالوا فلان هلك حياء من كذا ومات حياء ورأيت الهلاك في وجهه من شدّة الحياء ، وذاب حياء (١).
أقول وكان الاستحياء استبقاء الحياة الانسانية المقتضية لجملة من الأفعال والتروك بترك ما يوجب فتورا وانكسارا فيهما ، ولذا فسّر في «الصحاح» و «القاموس» لا يستحي في الآية أي لا يستبقي نظير قوله : (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) (٢) وان اختلفا في اعتبار المادّة فإن أحدهما باعتبار الحياة الإنسانية والآخر باعتبار الروح الحيواني.
وقرأ عبد الله بن كثير يستحي بياء واحدة ، وعلل حذف الأولى بالتقاء الساكنين بعد حذف حركتها استثقالا للكسرة عليها ، وعن الأخفش : استحيا بياء واحدة لغة تميم وبيائين لغة أهل الحجاز ، قال : وهو الأصل لأنّ ما كان موضع لامه معتلا لم يعلّوا عينه ألا ترى أنّهم قالوا أحييت وحويت ويقولون قلت وبعث فيعلّون العين حيث لم تعتل اللام ، بل إنّما حذفوا الياء لكثرة استعمالهم لهذه الكلمة كما
__________________
(١) الكشاف ج ١ ص ٢٦٣.
(٢) البقرة : ٤٩.