قالوا : لا أدر في لا أدري ، وحيث قد سمعت أنّ الحياء من الأعراض القائمة بالنفس ولذا لا يصحّ اتصافه تعالى به اثباتا ونفيا فلا بد من تأويله في حقّه بالحمل على نهايات الأعراض لا بدايات الاعراض ، فالمبدأ وهو التغيّر النفساني والجسماني وان لم يكن ثابتا في حقّه إلّا أنّه يفعل فعل المستحي ويترك تركه كما هو الحال فيما يتّصف به من الغضب والمكر والنسيان وغيرها حسبما مرت الإشارة إليه ، وإلى وجوه أخر عند التعرض لنسبة المخادعة والاستهزاء إليه سبحانه ، نعم قد يحتمل في المقام وجوه أخر مثل أن تكون هذه العبارة قد وقعت في كلام الكفرة فقالوا ما يستحي ربّ محمّد أن يضرب مثلا بالذّباب والعنكبوت فجاء هذا الكلام على سبيل إطباق الجواب على السؤال ، أو أن المعنى أنّه تعالى لا يدع ضرب المثل بالأشياء الحقيرة لحقارتها إذا رأى الصلاح في ضرب المثل بها ، أو أنّه لا يمتنع منه حيث أنّ أحدنا إذا استحيى عن شيء تركه وامتنع منه بناء على نوع من التجريد فيهما ، أو أنّ المراد أنّ الّذي يستحيي منه هو ما يكون قبيحا في نفسه ويكون لفاعله عيب في فعله ، فأخبر الله سبحانه أنّ ضرب المثل ليس بقبيح ولا عيب فيه حتى يستحي منه ، أو أنّه تعالى لا يعرضه الحياء وغيره من العوارض النّفسانيّة ولذا نفاه عنه كما نفى عنه الولد والنوم وغيرهما في قوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (١) ، (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (٢) ، (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) (٣).
وهو كما ترى فإنّ مساق هذه الآيات ونحوها بيان استحالة الاتصاف لا الإخبار عن انتفاء الأوصاف وظاهر الآية أنّه ليس بمقام الاستحياء لا أنّه يستحيل اتّصافه بالحياء ، وضرب المثل اعتماله واعتماده من ضرب اللبن والخاتم ، وأصله الاعتماد المولم أو وقع شيء على آخر يقال ضربته مثلا فيتعدّى لمفعولين ، ويدخل
__________________
(١) التوحيد : ٣.
(٢) البقرة : ٢٥٥.
(٣) المؤمنون : ٩١.