على المبتدأ والخبر لما فيه من معنى الجعل كما يقال جعلته مثلا ومنه قوله : (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) (١) ، وربما يحتمل أخذه من ضربك أي مثلك على معنى أن يمثل لهم مثلا وقد يرجح الاول لما فيه من الإشارة إلى اتّحاد المضرب والمورد ، وانّه ضربه ابتداء لا أنّه شبّه المضرب بالمورد وإنّ بصلتها مخفوض المحل بإضمار من كما هو المطرّد أو منصوب بافضاء الفعل إليه بعد حذف الجار ، أو بافضائه إليه بنفسه لما سمعت من أن يستحي يتعدّى بنفسه.
(وَما هذِهِ) إمّا إبهاميّة تقترن بالنكرة فتزيدها إبهاما وشياعا وعموما كقوله : (أَيًّا ما تَدْعُوا) (٢) ، و (أَيْنَما تَكُونُوا) (٣) ، بل قد تفيد مضافا إلى الإبهام الحقارة كما في المقام فتكون صفة لمثلا أو بدلا منه و (بَعُوضَةً) عطف بيان علي (ما) وأمّا مزيدة للتوكيد كما في قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ) (٤) ، (فَبِما نَقْضِهِمْ) (٥) وربما يؤيّد بسقوطها في قراءة ابن مسعود ، والجملة الّتي تؤكدها إمّا ضرب المثل فمعناه أنّه يضرب المثل حقّا أو نفي الاستحياء والمراد أنّه لا يستحيي البتّة.
وأمّا ما يحكى عن أبي مسلم (٦) : معاذ الله أن يكون في القرآن زيادة ولغو وتبعه الرازي معللا بأنّ الله تعالى وصف القرآن بكونه هدى وبيانا واشتماله لغوا ينافي ذلك ، ووافقهما بعض السادة من مشايخنا المعاصرين.
مدفوع بأنّ المقصود من زيادتها أن لا يراد منها معنى خاصّ بل إنّما تذكّر مع
__________________
(١) الزخرف : ٥٩.
(٢) الإسراء : ١١٠.
(٣) النساء : ٧٨.
(٤) آل عمران : ١٥٩.
(٥) النساء : ١٥٥.
(٦) هو ابو مسلم الكاتب محمد بن احمد بن علي البغدادي نزيل مصر ولد سنة (٣٠٥) ه وروى القراءات عن جمع من المقرئين مثل ابن الجارود ، وابن بزيع وروى عنه القراءة الحافظ ابو عمرو الداني ، توفي سنة (٣٩٩) ه ـ غاية النهاية ج ٢ ص ٧٣.