غيرها لإفادة الوثاقة والتوكيد في المعنى المقصود ، وأين هذا من اللّغو الضائع الّذي لا يترتّب عليه شيء من الفوائد : كيف وزيادة الحروف ولو لفائدة لفظيّة أو معنويّة كثيرة في كلمات الفصحاء ، شائعة في خطب مصاقع البلغاء ، وقد ورد بها التّنزيل ، ومن تكلّف فيما ورد منها بالحمل على غيرهما فقد ركب صعبا ورام شططا.
وفيها وجه ثالث محكي عن الفرّاء والكسائي وقد يعزى إلى الكوفيين أيضا وهو أنّ المعنى ما بين بعوضة إلى ما فوقها كما يقال : مطرنا ما زبالة إلى الثعلبية ، وله عشرون ما ناقة فجملا ، وهو أحسن النّاس ما قرنا فقد ما يعنون ما بين في جميع ذلك على إسقاط الجار.
(وبَعُوضَةً) إمّا عطف بيان للمثل ، وضعّف بالمنع منه في النكرات ، أو بدل أو صفة ل (ما) إذا جعلناها بدلا من (مَثَلاً) ، أو مفعول (يَضْرِبَ) و (مَثَلاً) حال منها تقدّمت لأنها نكرة ، أو هما مفعولاه الأوّل الأوّل والثاني الثاني ، أو العكس لما مر من تضمّن الضرب لمعنى الجعل ، والمنع عن تعدّيه إليهما غير مسموع ، ولذا أجيز في قوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) (١) انتصابها به ويؤيّده أيضا قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ) (٢) بناء على أنّه بمنزلة قولك : ظننت زيدا كعمرو بدليل قوله : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ) (٣) ، وتنكيرهما في المقام غير قادح ، لأنّ (بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) مأوّل إلى صغير أو أصغر ، أو صغيرا أو كبيرا على ما يأتي ، ومن الشواذ قراءة رؤبة بن العجاج (٤) بالرّفع على أنّ يكون خبرا لما على أن تكون استفهامية ، وإن قيل : إنّ فيه غرابة وبعدا عن معنى الاستفهام ، أو لمحذوف هو هو ، فتكون ما زائدة أو موصولة حذف صدر صلتها مع عدم طولها كما في قوله : على
__________________
(١) ابراهيم : ٢٤.
(٢) الكهف : ٤٥.
(٣) يونس : ٢٤.
(٤) رؤبة بن العجاج التميمي السعدي توفي سنة (١٤٥) ه