بالحمل الظاهر فيه وأمّا المنافاة بين الخبرين على فرض صحّتهما فلعلّ الأوّل باعتبار التّنزيل والاخر باعتبار التأويل.
وذكر شيخنا المجلسي طاب ثراه أنّه يحتمل أن يكون إشارة إلى ما مثل الله بهم لذاته تعالى من قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، وأمثاله لئلّا يتوهم متوهم أنّ لهم عليهالسلام في جنب عظمته تعالى قدرا أولهم مشاركة له تعالى في كنه ذاته وصفاته ، أو الحلول أو الاتّحاد ، تعالى الله عن جميع ذلك ، فنبّه الله تعالى بذلك على أنّهم وإن كانوا أعظم المخلوقات وأشرفها فهم في جنب عظمته تعالى كالبعوضة وأشباهها ، والله تعالى يعلم حقايق كلامه وحججه عليهالسلام ، (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) (٢) ، لكنّه لم يرد بها التنزيل وضعت للدلالة على التفصيل لمجمل مذكور كقولك : أكرم العلماء أمّا الفقهاء فكذا ، وأمّا الحكماء فكذا ، وإن كان قد لا يذكر معه قسيمه اكتفاء بما يقوم مقامه واشعارا بزيادة الاهتمام بالتّنبيه على حكم ما سيق له الكلام كما في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) (٣) حسبما تسمع ، أو لمتعدد في الذهن مع سبق ما يدلّ عليه في الجملة كما في المقام ، حيث استفيد من قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) تصنيف الناس إلى من يداخله شبهه أولا ، أو عدم سبقه في الذكر كقوله : أمّا بعد في صدور الكتب والرسائل وعلى التوكيد المستفاد من اختيار التفصيل بعد الإجمال المطوي أو المنوي ، ولذا قال سيبويه ، إنّ معنى أمّا زيد فذاهب : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب ، أي إنّه ذاهب لا محالة وانّه منه عزيمة وعلى الشرط المدلول عليه بلزوم الفاء بعدها كما في الآية وغيرها ولذا
__________________
(١) النور : ٣٥.
(٢) البقرة : ٢٦.
(٣) آل عمران : ٧.