ففيه أنّه ردّ لتلك النصوص وجرأة على أهل الخصوص الذين هم خزنة الوحي ومعادن العلم وهم أعلم الخلق بالله تعالى وصفاته الذّاتية والفعليّة وقد صرّحوا في أخبار لا يبعد تواترها على كون الإرادة من الصفات الفعلية ومغايرتها للعلم وللذات.
وأمّا ما ذكره الثاني تبعا للاوّل من أنّه لما كان فهم الجمهور لا يصل إلى الإرادة بالمعنى الرّاجع إلى علمه بذاته المقتضي لوجود الأشياء بنفسه بل إلى النحو الّذي في الحيوان وضدّه الكراهة فتكون حادثة عند حدوث المراد فلذا جعلها عليهالسلام من صفات الأفعال ومن الصفات الاضافية المتجدّدة كخالقيته ورازقيته حذرا عن كونه تعالى محلّا للحوادث لو كان الارادة الحادثة من صفات الذات فهي كالعلم الحادث الّذي هو إضافة عالميّته تعالى بالحوادث الكونيّة وهي أخيرة مراتب علمه تعالى فلإرادته أيضا مراتب أخيرتها ما في الخبر وأولها نفس علمه بذاته.
ففيه أنّ سبيلها حينئذ سبيل العلم الّذي هو عين الذّات وأمّا الارادة فقد أطبقوا على حدوثها وأنّها من صفات الفعل وانّ الله تعالى خلق الخلق لا بارادة قديمة بل بارادة حادثة بنفسها ولذا قالوا خلق الله المشيّة بنفسها وخلق الأشياء بالمشيّة ، وكان فيه اشارة إلى الجواب عمّا استدلّوا به على قدمها من أنّها لو كانت حادثة لكانت محدثة بارادة غيرها وتلك الارادة إن كانت حادثة افتقرت إلى ارادة اخرى إلى أن يتسلسل والّا ثبت المطلوب فأجاب عليهالسلام بأنّه سبحانه خلقها وأبدعها بنفسها لا بإرادة غيرها وأنشأ بها الأشياء كما تشاهد مثل ذلك في إرادة نفسك ونيّتك فإنك تنشأها بنفسها وتنشئ بها غيرها من الأفعال.
وأمّا ما يقال : من أنّ الإرادة صفة والصّفة لا تقوم بنفسها ولا بغير موصوفها فلو كانت حادثة لكان سبحانه محلّا للحوادث فتجب أن تكون قديمة.