إلى غير ذلك من الاخبار الّتي يظهر من التأمّل فيها وفي مجاري إطلاقات لفظ الإضلال في العرب واللغة وجوه من المعاني أحدها أن يكون المراد الإضلال عن طريق الجنّة وعن القرب والكرامة والثواب على وجه العقوبة وهذا في الحقيقة ليس بمجاز بل هو بيان لمتعلّق المعنى الحقيقي بعد الحمل عليه ودلالة حذف المتعلّق على العموم إنّما هي على فرضها فيما لم يكن هناك ظهور في شيء منها ويؤيّده ما سمعت من الخبر المرويّ في تفسير النّعماني والتوحيد والمعاني ، مضافا إلى أنّه قد يستظهر من قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (١) ولو بقرينة مقابلة الهداية ومن قوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) في خصوص المقام نظرا إلى أنّه لو أراد به التّخيير والتشكيك فقد ذكر أنّه لا يفعل ذلك إلّا بالمتحيّر الشاك الفاسق فيجب أن لا يكون الضلالة الحاصلة بالفسق الّتي صاروا بها فسّاقا من فعله إلّا إذا وجدت قبلها أيضا ضلالة فلا بدّ أن تترتب هناك ضلالات غير متناهية أو ينتهي إلى ضلالة لبست من إضلال ولا مسبوقا به وهو المطلوب.
وأمّا ما يقال في تضعيفه من أنّه تعالى قال : (يُضِلُّ بِهِ) أي بسبب استماع هذه الآيات والإضلال عن طريق الجنّة ليس بسبب سماع هذه الآيات بل بسبب اقدامه على القبائح فكيف يجوز حمله عليه.
ففيه أنّ السماع لمّا كان هو السبب الأوّل لهداية قوم وضلالة آخرين صحّ استنادهما إليه وإن كانت الواسطة في كلّ منهما غير الواسطة في الاخر ضرورة أنّه
__________________
(١) الحج : ٤.