لا يمكن سببيّة لهما معا من جهة واحدة.
وتوهّم أنّه بعد حصول التولي والفسق يجوز اسناد الإضلال إليه تعالى على وجه الحقيقية باعتبار ترتّب فعله تعالى على حصول مسمّى الأمرين من العبد فلا ضرورة إلى الحمل على الإضلال عن طريق الجنّة ، مدفوع بمخالفته الظاهر ولو بمعونة الاخبار المتقدّمة مع وضوح دلالة الآيتين على صدور التولي والفسق قبل إضلاله تعالى وهو دليل على كون الفعل من العبد وترتّب إضلاله تعالى عليه بالنّسبة إليه.
ثانيها : أنّه تعالى بيّن الحقائق وأرشد الأنام وضرب الأمثال ونبّه على الآيات والنّذر للتّمحيص والتخليص والامتحان فنجى بها قوم وهلك بها آخرون (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١) ، وكثيرا ما يقال للشيء أنّه أضلّ الرجل وان ضلّ باختياره لمجرّد حصول الضلالة له عند حضوره كما أشير إليه في الخبر المتقدم مستشهدا له بقوله : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) (٢) أي ضلّوا بهنّ ومنه قوله : (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) (٣) أي ضلّ كثير من النّاس بهم وقوله : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا
__________________
(١) التوبة : ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٢) ابراهيم : ٣٦.
(٣) نوح : ٢٣ ـ ٢٤.