للكتاب والسنّة ، بأنّ الحاكم له الأخذ بالمصالح وتفسير الأحكام على ضوئها ، كما فعله (الثاني) في وقوع الطلاق ثلاثاً من دون التخلّل والرجوع ، فقال : (إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم) فأمضاه عليهم (١).
وإبطال الشريعة أمر محرّم لا يستباح بأيّ عنوان ، فلا يصحّ لنا تغيير الشريعة بالمعايير الاجتماعية من الصلاح والفساد.
ثمّ ما ذكرناه من تأثير عنصري الزمان والمكان في الأحكام الشرعيّة وتغييرها بالمعنى الصحيح إنّما كان باعتبار مقام الإفتاء ، وكذلك الأمر في الأحكام الحكومتيّة ، حيث إنّه يقسّم الحكم إلى الحكم الشرعي والحكم الحكومتي ، والأوّل إلى الأوّلى والثانوي أي الأحكام الواقعيّة والأحكام الظاهريّة ، وعند التعارض بين الأحكام الأوّلية والثانوية تقدّم الثانية من باب الحكومة أو من باب التوفيق العرفي ، كتقدّم قاعدة لا حرج على الأحكام الضررية ، كالميتة يحرم أكلها إلّا من اضطرّ غير باغ ، ويرجع هذا إلى مقام الإفتاء والاستنباط.
وربما يكون التزاحم بين نفس الأحكام الواقعيّة ، فلو لم يرفع التزاحم لحصلت مفاسد ، فالفقيه الحاكم الجامع للشرائط المتصدّي لمنصب الولاء يقوم بتقديم بعض الأحكام الواقعيّة على بعض بتعيّن المورد من صغريات أيّ الكبرتين الواقعتين ، ولا يحكم الحاكم إلّا بعد ملاحظة الظروف الزمانية والمكانية ومشاورة
__________________
(١) المصدر : ٣٢٩ ، عن مسلم الصحيح ، باب الطلاق الثلاث ، الحديث ١.