كما يؤثّر الزمان والمكان في كيفيّة الأساليب وتعيّنها في القوانين الثابتة ، فإنّ الشارع في بعض الموارد الشرعيّة ربما لم يجدّد الأُسلوب المتّخذ فيه ، بل ترك ذلك ليختار بما يطابق الزمان والمكان كالدفاع عن بيضة الإسلام ، فإنّه قانون ثابت لا يتغيّر ، إلّا أنّ الأساليب المتّخذة لتنفيذ هذا القانون موكولة إلى مقتضيات الزمان والمكان التي تتغيّر بتغيّره ، وكنشر العلم والثقافة فهو أصل ثابت تتغيّر أساليبه بتغيّر الزمان والمكان ، وكالتشبّه بالكفّار ، فمنع عن ذلك النبيّ الأعظم (صلىاللهعليهوآله) حتّى أمر بخضب الشيب وقال : (غيّروا الشيب ولا تشبّهوا باليهود) إلّا أنّه لمّا ازدادت رقعة الإسلام واعتنقه شعوب مختلفة وكثر فيهم الشيب تغيّر الأُسلوب ، ولمّا سئل أمير المؤمنين (عليهالسلام) عن ذلك فقال : (إنّما قال ذلك والدين قلّ ، فأمّا الآن فقد اتّسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤٌ وما اختار) (١).
هذا ولا بدّ في تأثير عنصري الزمان والمكان في الأحكام الشرعيّة أن لا يؤثّر في كرامة حصر التشريع في الله سبحانه ، ولا يمسّ بقداسة الكبريات والأُصول الثابتة الشرعيّة ، وهذا من الفقه الحيّ الذي يتماشى مع كلّ عصر ومصر ، وهذا إنّما يتحقّق في فقه المذهب الإمامي الذي يعتقد بحياة إمامه المعصوم (عليهالسلام).
ولا يحقّ لنا أن نفسّر التأثير بتفسير خاطئ ومردود ، بأنّه بمعنى تغيير الأحكام الشرعيّة حسب المصالح الزمنية ، حتّى يبرّر بذلك مخالفة بعض الخلفاء
__________________
(١) موسوعة طبقات الفقهاء ١ : ٣٢٧ ، المقدّمة ، عن نهج البلاغة ، قسم الحكم ، الرقم ١٦.