بل يذهب أبو جمهور الأحسائي في كتابه (كاشفيّة الحال عن أحوال الاستدلال) في الفصل الثالث في بحث أدلّة العقل إلى أنّ الاجتهاد واجب مع حضور الإمام (عليهالسلام) عملاً بمضمون النصّ المروي بطريق صحيح عن زرارة وأبي بصير عن الصادقين (عليهمالسلام) : (علينا أن نلقي الأُصول وعليكم أن تفرّعوا) فلفظة (على) إنّما تستعمل للوجوب لظهور صيغة الأمر في الوجوب كما هو مقرّر في الأُصول ، فأوجبا علينا التفريع على أُصولهم.
وجرى على هذه السيرة الاتباع بل وقدماء الأصحاب أيضاً كابن الجنيد وابن أبي عقيل والصدوق والشيخ المفيد ثمّ وصلت النوبة إلى الشيخ الطوسي ليدخل الميدان من أوسع أبوابه وليكتب النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى ، بلا ذكر للروايات ، وليفرّع ما شاء له أن يفرّع في المبسوط ، ثمّ يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لمن يأتي بعده.
ومن ذلك الحين أخذت الأبحاث الاستدلالية مسلكها الذي شاء لها أن تسلكه ضمن الحدود التي رسمها المذهب ، وتشكّلت الجامعات الكبرى التي تعتبر مفاخر يفتخر بها في دنيا العلم في بغداد والنجف الأشرف والحلّة والشام وأصفهان وقم والأحساء والقطيف والأماكن الإسلامية الأُخرى وكتبت الموسوعات الاستدلالية الضخمة التي تمثّل تراثاً عزيزاً يعكس العقلية الفذّة التي وصلت إليها العبقرية الشيعية (١).
__________________
(١) كاشفية الحال عن أحوال الاستدلال (مؤسسة أُمّ القرى) : ٢١.