أقول : لا يخفى أنّ عدم الفتوى للأعلم في الحكم الواقعي وقوله بالاحتياط يكون لأحد أُمور أربعة حسب التصوّر الأوّلي.
١ ـ لعدم استفراغ الوسع في استنباط الحكم فيقول بالاحتياط.
٢ ـ لعدم الفحص والمراجعة التامّة في مدارك ومسانيد المسألة فيشير إلى هذا المعنى بقوله مثلاً : إنّ المسألة تحتاج إلى التأمّل ، أو مزيد التأمّل ، أو غير خالٍ عن الإشكال ، أو لا يخلو عن النظر وما شابه ذلك ، فتكون الشبهة له بدويّة فيحكم بالاحتياط.
٣ ـ أن يخدش بمدارك المسألة عند غيره ، فيخطأ الآخر في فتواه.
٤ ـ أن يكون له فتوى بالحكم الظاهري ، كأن يفتي بوجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي وتعارض الأدلّة.
في الأوّلين يجوز الرجوع إلى غير الأعلم مع مراعاة الأعلم فالأعلم ، فإنّ قوله حجّة من غير معارض له ، فإنّ تقليد الأعلم إنّما يجب لو كان له فتوى ، وإلّا فلا ، فمراجعة المقلّد إليه يكون بمنزلة مراجعة الجاهل إلى مثله ، ولا فرق في ذلك بين أن يتمكّن العامي من الاحتياط أو غيره ، لعدم وجوب الاحتياط عليه ، بل الواجب رجوعه إلى العالم مطلقاً حتّى لو تمكّن من الاحتياط.
وفي الأخيرين لا يصحّ رجوع العامي إلى غير الأعلم ، لأنّه في الثالث يرى عدم تماميّة أدلّة الغير فيلزم العامي حينئذٍ الاحتياط في العمل ، وفي الرابع له حكم ظاهري ولا يلزم في تقليد الأعلم أن يكون في الحكم الواقعي ، ففتواه بالحكم الظاهري يمنع عن حجّية فتوى الغير.