والثالث : عبد بالعبادة والخدمة ، والناس في هذا ضربان : عبد الله مخلصاً ، وهو المقصود بقوله (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ) ـ (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) ، (نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) ، وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها ، كما في الخبر (تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار) وعلى هذا النحو يصحّ أن يقال ليس كلّ إنسان عبداً لله ، فإنّ العبد على هذا بمعنى العابد ، لكن العبد أبلغ من العابد ، والناس كلّهم عباد الله ، بل الأشياء كلّها كذلك ، لكن بعضها بالتسخير وبالعبادة التكوينيّة. وبعضها بالاختيار (والعبادة التشريعيّة) ، وجمع العبد الذي هو مسترق عبيد ، وجمع العبد الذي هو العابد عباد ، فالعبيد إذا أُضيف إلى الله أعمّ من العباد ، ولهذا قال (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، فنبّه أنّه لا يظلم من يختصّ بعبادته ، ومن انتسب إلى غيره من الذين تسمّوا بعبد الشمس وعبد اللات ونحو ذلك (١).
والعبادات جمع العبادة ، والأوامر التعبّدية التي يقابلها الأوامر التوصّليّة ، وما يشترط فيها قصد القربة لله سبحانه ، فلولاه لما صحّت العبادة ، بخلاف التوصّليات كما في المعاملات ، وإن كان دخيلاً في كماله.
ومن المباحث الأخلاقية وفي السير والسلوك ، كما ورد في الأحاديث الشريفة ونهج البلاغة ، أنّ الناس في عبادتهم لله سبحانه طوائف ثلاث : فمنهم من عبد الله سبحانه حبّا وشكراً وأنّه أهل للعبادة ، وهذه عبادة الأحرار ، ومنهم من عبد الله خوفاً من ناره فهذه عبادة العبيد ، ومنهم من عبد الله طمعاً بجنّته ، فهذه عبادة التجار ، والحديث في هذا الباب ذو شجون.
__________________
(١) مفردات الراغب : ٣٣٠.