ثمّ يرد على قول المصنّف (يجب على كلّ مكلّف في عباداته ومعاملاته أن يكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً) باعتبار العبادات والمعاملات أنّ متعلّق الوجوب العقلي هو كلّ فعل أو ترك لا يعلم حكمه الشرعي عند الابتلاء به. وخرجت الضروريات الدينية عن ذلك إذ لا يحتاج العلم بها إلى اجتهاد أو تقليد ، فلما ذا خصّه بالعبادات والمعاملات؟
وأُجيب أوّلاً : أنّ المراد هو الحكم بالصحّة وهي تختصّ بالعبادات والمعاملات.
وثانياً : سيرة المتشرّعة في غير العبادات والمعاملات على خلاف ذلك ، فإنّ المقلّد منهم لا يتقيّد بالتقليد في غير العبادات والمعاملات من المستحبّات والمكروهات والمباحات ، كما أنّ المجتهد غير مقيّد بذلك ، والمقلّد في هذه الأحكام الثلاثة المندوب والمكروه والمباح يعمل بقول كلّ من يدّعي العلم ، ومن ثمّ لا بأس بدعوى اتّصال هذه السيرة إلى زمان حضور الأئمة الأطهار (عليهمالسلام) ، وممّا ذكر يظهر حال الاحتياط فإنّه لا يجري إلّا في الواجبات والمحرّمات.
وثالثاً : من المرسوم عند الفقهاء عند تقسيم الفقه إلى أقسام ، تارة يقسّم إلى العبادات كالصلاة والصوم وإلى المعاملات ويراد بها المعنى الأعمّ لا خصوص ما توقّف على الطرفين من الإيجاب والقبول كما في المضاربة والمشاركة والبيع وما شابه ذلك فتعمّ حينئذٍ السياسات والعاديات. وتارة يقسّم الفقه إلى العبادات والمعاملات والسياسات ، فيراد من المعاملات حينئذٍ المعنى الأخصّ أي ما يتقوّم بالطرفين الموجب والقابل.