فظهر أنّ الاجتهاد وعملية الاستنباط إنّما يعني بذل الجهد وما في وسع الإنسان واستفراغ ما عنده في استنباط الحكم الشرعي من أدلّته التفصيليّة من الكتاب والسنّة ، ويتطلّب ذلك جهوداً علمية ضخمة تتمثّل بالإحاطة الكاملة والشمولية العامة لاستعمالات أهل اللغة ، مع فهم كامل لأحكام القرآن الكريم والسنّة الشريفة لا سيّما مع الابتعاد عن زمن صدور النصّ وامتداد الفاصل الزمني بين المجتهد وبين عصر الكتاب والسنّة ، بكلّ ما يحمله هذا الامتداد من مضاعفات كضياع جملة من الأحاديث وتغيير كثير من أساليب التعبير وقرائن التفهيم والملابسات التي تكتنف الكلام ودخول شيء كثير من الدسّ والافتراء في المجاميع الحديثية ممّا يتطلّب العناية البالغة في التمحيص والتدقيق في أسانيد الروايات وفي دلالاتها ، كما والحياة تتطوّر والحوادث الواقعة تتزايد وتتجدّد ، ولم يرد فيها الحكم الخاص ، فلا بدّ من استنباطها على ضوء القواعد الفقهية العامة ، وهذا يتطلّب تخصّص علمي في فهم تلك المصادر واستخراج الأحكام الشرعية ، فلا بدّ من الاستدلال عليها ، وهو الذي يعبّر عنه بالاجتهاد ، فيبذل الفقيه جهده في استخراج الحكم واستنباطه من أدلّته ومسانيده ومداركه ، والمقصود منه تحديد موقف عملي تجاه الحكم الشرعي ، ومثل هذا الاجتهاد يصبو إليه أتباع مذهب أهل البيت (عليهمالسلام) ، ويدلّ عليه النصوص والسيرة وحكم العقل ، وليس هذا من الاجتهاد المذموم والمحارب من قبل أئمة الهدى وأتباعهم ، والذي يعني استعمال الرأي الشخصي في عرض وقبال الكتاب والسنّة ، فالاجتهاد الممدوح ما كان في طول الكتاب والسنّة ، فتدبّر.