مما شك في اشتراطه ، اللهم إلا أن يشك ولو من الشهرة السابقة وما تسمعه في شمول المراد منها لذلك كما ذكرناه سابقا في الصلاة الواجبة ، فحينئذ يتم الاستدلال عليه أيضا مع قطع النظر عن التأسي بتوقيفية العبادة ، وأن الأصل فيها الفساد إلا ما ثبت ، بل قد يستدل عليه مع قطع النظر عنهما بقوله (ص) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » بناء على تناوله للفرض والنفل ، وإيجاب المساواة في الكيفية لو فعل لا ينافي الندب في الأصل ، فيكون الأمر حينئذ مستعملا في الوجوب الشرعي خاصة لا الأعم منه والشرطي كي يكون مجازا ، إذ ليس وجوب الفريضة مستفادا من هذا الأمر ، بل المستفاد منه وجوب المساواة التي ينافيها المخالفة في الكيفية لا الترك أصلا ، ودعوى أن إطلاق وجوب المساواة يقتضي وجوب الفعل مقدمة لتحصيلها ، ولا يتم إلا في الفريضة يدفعها الفهم العرفي من هذه العبارة ، ونحوها ما سمعته ، ومن ذلك يعرف الجواب عن الأخير ، على أنه من المعلوم عدم التنافي بين الوجوب المزبور والندب عقلا ولا شرعا ، قال في جامع المقاصد بعد ذكره ذلك دليلا للخصم وجوابه : إن الوجوب هنا يراد به أحد الأمرين ، إما كونه شرطا للشرعية مجازا ، لمشاركته الواجب في كونه لا بد منه ، فمع المخالفة يأثم بفعل النافلة الى غير القبلة ، أو كون وجوبه مشروطا بمعنى أنه ان فعل النافلة وجب فعلها النافلة الى غير القبلة ، أو كون وجوبه مشروطا بمعنى أنه ان فعل النافلة وجب فعلها إلى القبلة ، فمع المخالفة يأثم بترك الاستقبال ويفعلها الى غير القبلة معا ، وهذا المعنى يثبت على دلالة قوله (ص) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » على وجوب الاستقبال ، وإلا فالمعنى الأول ، وفي بعض كلامه نوع تأمل ، لكن الأمر سهل بعد ما عرفت.
وقد يستدل أيضا بعموم قوله تعالى (١) ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ )
__________________
(١) سورة البقرة ـ الآية ١٤٥.