أنّه صلىاللهعليهوآله يتبع الوحي الالهيّ ، ولا يمكنه التغيير فيه قيد شعرة.
إن هذا الشرط كان يكشف عن انه لم يكن قد ترسّخت في أفئدتهم روح التسليم المطلق بعد ، وأنّ اعتناقهم للاسلام كان نتيجة ظروف ساقتهم إلى اسلام ظاهريّ سطحيّ ، وإلاّ فلا داعي ولا مبرّر للايمان ببعض ما جاء في الاسلام دون بعض ، فيقبلوا شيئا ويرفضوا شيئا آخر.
إن الاسلام ، والايمان بالله إن هو إلاّ نوع من التسليم الباطني الروحيّ ، والخضوع القلبي الذي يقبل المرء في ظلّه جميع التعاليم والدساتير الإلهية عن طواعية ورغبة ، وفي مثل هذه الحالة لا غير لا تجد فكرة التبعيض في التعاليم الإلهية طريقا إلى روح إنسان ومخيّلته.
ولأجل هذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في جوابهم :
« لا خير في دين لا صلاة فيه » (١).
إن المسلم الذي لا يسجد ولا يركع لله تعالى في اليوم والليلة ولامرة واحدة ، ولا يذكر ربّه لا يكون مسلما بالمعنى الصحيح.
هذا وعند ما اتفق الطرفان على شروطهما نظمت معاهدة تشمل المواد والشروط المتّفق عليها ، وقّع عليها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وحينئذ أذن رسول الله صلىاللهعليهوآله لوفد ثقيف بالعودة إلى قومهم ، واختار منهم أحدثهم سنا وهو « عثمان بن أبي العاص » الذي كان أحرصهم على التفقه في الإسلام ، وتعلّم القرآن خلال وجوده بالمدينة فأمّره عليهم ، وجعله نائبا دينيا ، وسياسيا عنه في قبيلة ثقيف وأوصاه ـ فيما أوصاه ـ بأن يصلّي بالناس جماعة مراعيا أضعفهم قائلا له :
« يا عثمان تجاوز (٢) في الصلاة وأقدر الناس بأضعفهم فانّ فيهم الكبير
__________________
(١) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٣١٧.
(٢) تجاوز : أي خفف الصلاة وأسرع بها.