قال : فحاصرناهم حتّى أصابتنا مخمصة شديدة. ثمّ إنّ الله فتحها علينا.
وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطى اللواء عمر بن الخطّاب ، ونهض من نهض معه من الناس ، فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر وأصحابه ، فرجعوا إلى رسول الله ، يجبّنه أصحابه ويجبّنهم. وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذته الشقيقة ، فلم يخرج إلى الناس ، فقال حين أفاق من وجعه : ما فعل الناس بخيبر؟ فأخبر. فقال : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّارا غير فرّار ، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما ، عن قتيبة بن سعيد قال : حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن الاسكندراني ، عن أبي حازم ، قال : أخبرني سهل بن سعد : «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال يوم خيبر : لاعطينّ هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله.
قال : فبات الناس يدوكون (١) بجملتهم أيّهم يعطاها. فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّهم يرجون أن يعطاها.
فقال : أين عليّ بن أبي طالب؟
فقالوا : يا رسول الله يشتكي عينيه.
قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في عينيه ، ودعا له ، فبرىء حتّى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية.
فقال عليّ عليهالسلام : يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ قال : أنفذ على رسلك (٢) حتّى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون حمر النعم.
__________________
(١) داك القوم : خاضوا واضطربوا وماجوا.
(٢) الرسلة : التمهّل والتؤدة والرفق. يقال : على رسلك ، أي : على مهلك وتأنّ.