فنام عن شأنه يوما ، فبعثاه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يبغي لهما إداما ـ وكان أسامة على طعام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ما عندي شيء. فأخبرهما سلمان بذلك. فقالا : بخل أسامة. وقالا لسلمان : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها. فلمّا راحا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لهما : مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟ فقالا : ما تناولنا يومنا هذا طعاما. فقال : ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة. فنزلت :
(وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ولا يذكر بعضكم بعضا بالسوء في غيبته. يقال : غابه واغتابه ، كغاله واغتاله. والغيبة من الاغتياب ، كالغيلة (١) من الاغتيال. وهي : ذكر السوء في الغيبة. وسئل صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الغيبة ، فقال : «أن تذكر أخاك بما يكرهه ، فإن كان فيه فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهتّه».
وعن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الغيبة أشدّ من الزنا».
وعن ابن عبّاس : الغيبة إدام كلاب النار.
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه ، مع مبالغات : الاستفهام المقرّر. وإسناد الفعل إلى «أحد» للتعميم المشعر بأنّ أحدا من الأحدين لا يحبّ ذلك. وتعليق المحبّة بما هو في غاية الكراهة. وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان. وجعل المأكول أخا وميتا. وتعقيب ذلك بقوله : (فَكَرِهْتُمُوهُ) تقريرا وتحقيقا لذلك.
وانتصاب «ميتا» على الحال من اللحم أو الأخ. وشدّده نافع. والفاء هي الفصيحة المظهرة لشرط مقدّر. والمعنى : إن صحّ ذلك أو عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ، ولا يمكنكم إنكار كراهته.
وعن قتادة : كما تكره إن وجدت جيفة مدوّدة أن تأكل منها ، كذلك فاكره لحم أخيك وهو حيّ.
__________________
(١) الغيلة : الخديعة والاغتيال. يقال : قتله غيلة ، أي : خدعه فذهب به إلى موضع فقتله.