فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعاداتهم في أنفسهم ، وبمزاوجة الحور العين ، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين ، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم ، وإن كانوا لا يستأهلونها ، تفضّلا عليهم وعلى آبائهم ، ليتمّ سرورهم ويكمل نعيمهم.
وقرأ نافع وابن عامر والبصريّان : ذرّيّاتهم.
(وَما أَلَتْناهُمْ) وما نقصناهم (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بهذا الإلحاق ، أي : ما نقصنا من ثواب عملهم شيئا نعطيه الأبناء حتّى يلحقوا بهم ، بل إنّما ألحقناهم بهم على سبيل التفضّل. وقرأ ابن كثير بكسر اللام ، من : ألت يألت. والمعنى واحد.
(كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) بعمله ، مرهون عند الله. كأنّ نفس العبد رهن عند الله بالعمل الّذي هو مطالب به ، كما يرهن الرجل عبده بدين عليه ، فإن عمل صالحا فكّها وخلّصها ، وإلّا أوبقها.
(وَأَمْدَدْناهُمْ) وزدناهم (بِفاكِهَةٍ) بجنس الفاكهة ، فإنّ الإمداد الإتيان بالشيء بعد الشيء (وَلَحْمٍ) وجنس اللحوم (مِمَّا يَشْتَهُونَ) من أنواع النعم الشهيّة اللذيذة.
(يَتَنازَعُونَ فِيها) يتعاطون هم وجلساؤهم ـ من ذرّيّاتهم وإخوانهم ـ بتجاذب (كَأْساً) خمرا. سمّاها باسم محلّها. (لا لَغْوٌ فِيها) لا يتكلّمون بلغو الحديث وما لا طائل تحته في أثناء شربها (وَلا تَأْثِيمٌ) ولا يفعلون ما يؤثّم به فاعله ، أي : ينسب إلى الإثم ، كما هو عادة الشاربين في الدنيا ذلك ، من الكذب والشتم والفواحش ، مثل قوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ) (١). وإنّما يتكلّمون بالحكم والكلام الحسن متلذّذين بذلك ، لأنّ عقولهم ثابتة غير زائلة ، وهم حكماء علماء. وقرأ ابن كثير والبصريّان بالفتح.
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) أي : بالكأس (غِلْمانٌ لَهُمْ) مماليك مخصوصون بهم.
__________________
(١) الصافّات : ٤٧.