انّما تكون في الإرادة التكوينية وهو العلم بالنظام على النحو الكامل التام ، دون الإرادة التشريعية وهو العلم بالمصلحة في فعل المكلف ، وما لا محيص عنه في التكليف إنما هو هذه الإرادة التشريعية لا التكوينية ، فإذا توافقتا فلا بد من الإطاعة
______________________________________________________
بحيث لا يكون فيه صلاح إذا صدر عن قهر وإجبار ، ومن المعلوم : أنّ هذه الإرادة التشريعية تتخلف عن المراد ، ولا ضير في هذا التخلف ، لعدم كون هذه الإرادة علة تامة لوجود الفعل في الخارج حتى يمتنع التخلف ، بل علة لنفس التشريع ، وفائدتها إحداث الداعي في العبد ليوجد الفعل بإرادته واختياره ، فوجود الفعل منوط بإرادة العبد ، لا بإرادته تعالى التكوينية ، إذ المفروض عدم تعلقها به.
وبالجملة : فالمراد بالإرادة التشريعية هو فعل العبد الّذي يوجد تارة ويبقى على العدم أُخرى ، فمحصل الجواب عن الإشكال : أنّ الطلب والإرادة الحقيقيّين موجودان في تكاليف الكفار والعصاة ، ولا يلزم شيءٌ من محذوري التكليف الصوري ، وتخلُّف الإرادة عن المراد.
أمّا الأوّل ، فلوجود الطلب الحقيقي الموجب لكون التكليف حقيقياً لا صورياً.
وأمّا الثاني ، فلما عرفت من عدم استحالة التخلف في الإرادة التشريعية ، واختصاص ذلك بالإرادة التكوينية المفروض فقدانها في التكاليف الشرعية ، لعدم احتياجها إليها ، بل هي مخلّة فيها ، لما عرفت من توقف المصلحة على صدور الفعل عن اختيار العبد ، وإنّما المحتاج إليه في كون التكليف جدياً حقيقياً لا صورياً هو الإرادة التشريعية.