فلا بد (١) من الرجوع فيما شك في تعبديته وتوصليته إلى الأصل (٢) ، لا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات :
إحداها : الوجوب التوصلي (*) هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب (٣) ويسقط بمجرد وجوده ، بخلاف التعبدي ، فإنّ الغرض منه
______________________________________________________
(١) هذا متفرع على عدم الإطلاق المحقِّق لعدم الدليل الّذي هو موضوع للرجوع إلى الأصل العملي ، والمراد به هنا البراءة أو الاشتغال ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(٢) أي : العملي ، إذ المفروض عدم الأصل اللفظي وهو إطلاق الصيغة ، مع الغض عن سائر ما استدل به أيضا على التعبدية كقوله تعالى : «وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ».
(٣) هذا أحد تعريفاته وأسدها ، وحاصله : أنّ الواجب التوصلي عبارة
__________________
(*) هذا من الوصف بحال المتعلق وهو الواجب ، لا بحال نفس الموصوف وهو الوجوب ، وذلك لأنّ التعبدية والتوصلية ناشئتان من الملاكات الداعية إلى التشريع ، فإن كان الملاك القائم بالواجب ـ بناءً على ما عليه مشهور العدلية من قيام المصالح والمفاسد بمتعلقات التكاليف ـ بمثابة يحصل بمجرد وجود الواجب ولو بداعٍ غير قربي فالواجب توصلي ، وإلّا فتعبدي ، فالفرق بينهما إنّما هو في الغرض القائم بالواجب ، وأمّا الغرض من نفس الوجوب فهو واحد في التعبدي والتوصلي وهو دعوة المكلف إلى إيجاد المادة ونقض عدمها المحمولي بوجودها كذلك ، فالوجوب التوصلي لا يغاير التعبدي أصلا. واتضح مما ذكرنا : أنّ التعبدية من قيود المادة ، فالإطلاق المبحوث عنه راجع إلى المادة لا الهيئة ، فجعل هذا البحث من أبحاث الصيغة لا يخلو من المسامحة.