٣ / ٥١ وذلك لأن ظاهر الاستثناء ؛ هو الإخراج عن حكم ما قبله ، ولا موجب للعدول عن الظاهر في الاستثناء الأول ، فحمل على النجاة. ولما كان إنجاء المستحق العذاب (١) محلّ تعجب وإنكار ، عقّبه بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (هود : ١٠٧) ؛ أي من العذاب والإنجاء منه ، بفضله ، ولا (٢) يتوجّه عليه اعتراض أحد ؛ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وأما الاستثناء الثاني فلما لم يكن على ظاهره ، كان إخراج أهل الجنة المستحقين (٣) [للثواب وقطع النعيم] (٣) لا يناسب إنجاء أهل النار المستحقين للعذاب ، فلذا (٤) عقّب بقوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (هود : ١٠٨) بيانا للمقصود.
ورعاية هذا الباب أولى من رعاية الباب الذي توهم (٥) الزمخشري ؛ فإنّ حاصله يرجع إلى أن الاستثناء الثاني لمّا لم يكن على ما هو الظاهر في باب الاستثناء ، ينبغي ألاّ يكون الاستثناء الأول أيضا على ما هو الظاهر. ولا يخفى على المنصف أنّه تعسّف.
وأما قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ) [١٧٠ / ب](طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ) (الغاشية : ٦) فالمعنى لا طعام لهم أصلا ؛ لأن الضريع ليس بطعام البهائم فضلا عن الإنس ؛ وذلك كقولك : ليس لفلان ظل إلا الشمس ؛ تريد بذلك نفي الظلّ عنه على التوكيد ، والضريع نبت ذو شوك يسمى الشّبرق في حال خضرته وطراوته ، فإذا يبس سمّي الضريع ، والإبل ترعاه طريّا لا يابسا.
وقريب منه تأكيد المدح بما يشبه الذمّ ، بأن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح ، بتقدير دخولها فيها ، كقوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً* إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (الواقعة : ٢٥ ـ ٢٦) التأكيد فيه من وجهين : على الاتصال في الاستثناء والانقطاع.
__________________
(١) في المخطوطة «للعذاب».
(٢) في المخطوطة «لا».
(٣) في المخطوطة «للتوبة دفع النعيم عنهم».
(٤) في المخطوطة «فلهذا».
(٥) في المخطوطة «توهّمه».