جميعا ؛ فيقدّر آثروا الدار والإيمان ، ويبقى النظر في أنه : أيهما (١) أولى؟ ترجيح الإضمار أو ٣ / ١٢٥ التضمين؟ واختار الشيخ أبو حيّان (٢) تفصيلا حسنا وهو : إن كان العامل الأول تصحّ نسبته إلى الاسم الذي يليه حقيقة كان الثاني محمولا على الإضمار ؛ لأنه أكثر من التضمين ؛ نحو «يجدع الله أنفه وعينيه ، أي ويفقأ عينيه فنسبة الجدع إلى الأنف حقيقة ؛ وإن كان لا يصحّ فيه ذلك كان العامل مضمّنا معنى ما يصحّ نسبته إليه ؛ لأنه لا يمكن الإضمار ؛ كقولهم :
علفتها تبنا وماء باردا (٣)
وجعل ابن مالك من هذا القبيل قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (البقرة : ٣٥) قال : لأنّ فعل أمر المخاطب لا يعمل في الظاهر ؛ فهو (٤) على معنى «اسكن أنت ولتسكن زوجك» ، لأن شرط المعطوف أن يكون صالحا لأن يعمل فيه ما عمل في المعطوف عليه ، وهذا متعذر هنا ؛ لأنه لا يقال : «اسكن زوجك».
ومنه قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ) (البقرة : ٢٣٣) ولا يصحّ أن يكون «مولود» معطوفا على «والدة» لأجل تاء المضارعة ، أو للأمر ؛ فالواجب في ذلك أن نقدّر مرفوعا بمقدر من جنس المذكور ، أي ولا يضارّ مولود [له] (٥).
وقوله تعالى : (وَالطَّيْرَ) (سبأ : ١٠) ، قال الفراء (٦) : التقدير : «وسخرنا له الطير» عطفا على قوله : (فَضْلاً) وقيل : هو مفعول معه ، ومن رفعه فقيل : على المضمر في (أَوِّبِي) (٧) ، وجاز ذلك لطول الكلام بقوله : (مَعَهُ) ، وقيل : بإضمار فعل أي ولتؤوب معه الطير. ٣ / ١٢٦
الخامس : أن يقتضي الكلام شيئين فيقتصر على أحدهما ؛ لأنه المقصود ؛ كقوله تعالى
__________________
(١) في المخطوطة (أيما).
(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٤٧ بتصرف.
(٣) البيت لذي الرمّة وصدره : لما حططت الرّحل عنها واردا كذا في خزانة الأدب للبغدادي ١ / ٤٩٩ ، وفي الإنصاف ٢ / ٦١٣ ، صدر البيت عجزه حتى شتت همالة عيناها.
(٤) في المخطوطة (فهي).
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٦) في معاني القرآن ٢ / ٣٥٥.
(٧) تصحفت في المطبوعة إلى (آتي).