اعتراض؟ قال : لا ، لأن من شرط الاعتراض أن يكون بالواو ونحوها ؛ وأما بالفاء فلا. وفهم صاحب «فرائد القلائد» (١) من هذا اشتراط الواو ، فقال : وقد ذكر الزمخشري : (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (مريم : ٤١ و٥٦) هذه الجملة اعتراض بين البدل وبين المبدل منه ، أعني «إبراهيم» و «إذ» قال : هذا معترض لأنه اعتراض (٢) بدون الواو بعيد عن الطبع وعن الاستعمال ، وليس كما قال ، فقد يأتي بالواو كما سبق في الأمثلة ، وبدونها (٣) كقوله سبحانه : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (النحل : ٥٧). وقد اجتمعا في قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة : ٧٥ ـ ٧٦ ـ ٧٧).
القسم الثالث والعشرون الاحتراس
٣ / ٦٥ وهو أن يكون الكلام محتملا لشيء بعيد ، فيؤتى بما يدفع ذلك الاحتمال ؛ كقوله تعالى : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (القصص : ٣٢) ، فاحترس سبحانه بقوله : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (القصص : ٣٢) عن إمكان أن يدخل في ذلك البهق (٤) والبرص.
وقوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (المائدة : ٥٤) فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذلة وهو السهولة لتوهّم أن ذلك لضعفهم ، فلما قيل : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (المائدة : ٥٤) علم أنها منهم تواضع ؛ ولهذا عدّى «الذل» بعلى لتضمنه معنى العطف.
__________________
(١) هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد ، البدر أبو محمد العيني ، الحلبي الأصل العينتابي المولد ثم القاهري الحنفي ولد في السابع عشر من رمضان سنة (٧٦٢ ه) في عينتاب فنشأ بها وقرأ القرآن ، وأكمل الدين ونظر في الصرف والعربية والمنطق ، وسمع عن العسقلاني «الشاطبية» وعلى الزين العراقي «صحيح مسلم» و «الإلمام» ، وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم وعنده حشمة ومروءة وعصبية وديانة ولم يزل ملازما للجمع والتصنيف حتى مات سنة (٨٥٥ ه) من مصنفاته «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» و «فرائد القلائد» (السخاوي ، الضوء اللاّمع ٥ / ١٣١) وأما كتابه فقد طبع في مصر باسم «فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد» وهو المعروف بالشواهد الصغرى ، سنة ١٢٩٧ ه / ١٨٧٩ م (سركيس ، معجم المطبوعات ص : ١٤٠٤).
(٢) في المخطوطة «لأن الاعتراض».
(٣) في المخطوطة «وبدونه».
(٤) البهق : بياض دون البرص ، يعتري الجسد بخلاف لونه ليس من البرص (ابن منظور ، لسان العرب ١٠ / ٢٩).