مشتقّ من عدوت الشيء ، إذا جاوزته (١) وخلفته ، وهذا لا يكون إلا فيمن له إرادة ، وأمّا «عاديته» فمفاعلة لا يكون إلا من اثنين.
وجعل منه بعضهم : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات : ٨) ، أي إنّ حبّه للخير لشديد.
وقيل : ليس منه ، لأنّ المقصود منه أنه لحبّ المال [لبخيل] (٢) ، والشدة : البخل ، أي من أجل حبّه للمال يبخل.
وجعل الزمخشريّ (٣) منه قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) (الأحقاف : ٢٠) ، كقوله (٤) : عرضت النّاقة على الحوض ، لأنّ المعروض ليس له اختيار ، وإنما الاختيار للمعروض عليه ؛ فإنّه قد يفعل ويريد (٥) ؛ وعلى هذا فلا قلب في الآية ؛ لأنّ الكفار مقهورون (٦) فكأنهم لا اختيار لهم ، والنار متصرفة فيهم ، وهو كالمتاع الذي يقرب منه من يعرض عليه ، كما قالوا : عرضت الجارية على البيع.
وقوله : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) (القصص : ١٢) ، ومعلوم أنّ التحريم لا يقع إلا على المكلّف ، فالمعنى : وحرّمنا على المراضع أن ترضعه. ووجه تحريم إرضاعه عليهنّ ألاّ يقبل إرضاعهنّ حتى يردّ إلى أمّه.
وقوله تعالى : (وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ) (٧) (البقرة : ٩) ، وقيل : الأصل وما تخدعهم (٨) إلاّ أنفسهم ، لأنّ الأنفس هي المخادعة والمسوّلة ، قال تعالى : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) (يوسف : ١٨).
وردّ بأن الفاعل في مثل هذا هو المفعول في المعنى ، وأنّ التغاير في اللفظ فقط ، فعلى هذا يصحّ إسناد الفعل إلى كلّ منهما ؛ ولا حاجة إلى القلب.
__________________
(١) في المخطوطة (جاورته).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) الكشاف ٣ / ٤٤٧.
(٤) في المخطوطة (كقولك).
(٥) في المخطوطة (يقبل ويدبر).
(٦) في المخطوطة (يقهرون).
(٧) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمر والباقون بغير ألف «يخدعون» (التيسير : ٧٢).
(٨) في المخطوطة (يخادعهم).