قلت : وأجاب الجويني (١) عن هذا بما يمكن أن يتخلّص منه : أن «يذر» (٢) أخصّ من «يدع» (٣) وذلك لأن (٤) الأول بمعنى ترك الشيء اعتناء (٥) ، بشهادة الاشتقاق ، نحو الإيداع ، فإنه عبارة عن ترك الوديعة مع الاعتناء بحالها ، ولهذا يختار لها من هو مؤتمن عليها ؛ ومن ذلك الدّعة بمعنى الراحة (٦). وأما «تذر» فمعناها الترك مطلقا ، والترك (٧) مع الإعراض والرّفض (٨) الكليّ ؛ ولا شكّ أن السياق إنما يناسب هذا دون الأول ؛ فأريد هنا تبشيع حالهم في الإعراض عن ربهم ، وأنهم بلغوا الغاية في الإعراض.
قلت : ويؤيده قول الراغب (٩) : يقال : فلان (١٠) يذر الشيء أي يقذفه لقلة الاعتداد (١١) به. والوذرة (١٢) قطعة من اللحم لقلة الاعتداد به ، نحو (١٣) قولهم : «هو لحم على وضم» ، قال تعالى : (أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) (الأعراف : ٧٠) ، وقال تعالى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (الأعراف : ١٢٧) ، (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (الأنعام : ١١٢) (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) (البقرة : ٢٧٨) وإنما قال : (تَذَرُونَ) ولم يقل «تتركون» و «تخلّفون» لذلك. انتهى.
وعن الشيخ كمال الدين ابن الزملكانيّ (١٤) [أنه أجاب] (١٥) عن هذا السؤال بأنّ التجنيس تحسين ، وإنما يستعمل في مقام الوعد والإحسان ؛ وهذا مقام تهويل ، والقصد فيه المعنى ، فلم يكن لمراعاة اللفظة (١٦) فائدة.
وفيه نظر ، فإنه ورد في قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ...) [٢٤٤ / ب]([ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ]) (١٧) (الروم : ٥٥).
__________________
(١) كذا في المخطوطة والمطبوعة وفي الإتقان ٣ / ٣٧٤ (الخويي).
(٢) في المخطوطة (يدع) تصحيف.
(٣) في المخطوطة (يذر) تصحيف.
(٤) في المخطوطة (أن).
(٥) في المخطوطة (اعتنى به).
(٦) في المخطوطة (الراعة) تصحيف.
(٧) في المخطوطة (أو الترك).
(٨) في المخطوطة (واللفظ).
(٩) انظر المفردات : ٥١٨ مادة (وذر).
(١٠) في المطبوعة (فلا) تصحيف.
(١١) في المخطوطة (اعتياده).
(١٢) في المطبوعة (والوزرة). وفي المخطوطة (ومنه الوذرة).
(١٣) في المخطوطة (في نحو).
(١٤) تقدم التعريف به في ١ / ١٣٥.
(١٥) ساقطة من المخطوطة.
(١٦) في المخطوطة (اللفظ).
(١٧) ليست في المطبوعة.