التسهيل بعد تعقيده مفيدا ، وجعل سرحة شرحه وجنة راقت النواظر توريدا (١) ، ملأ الزمان تصانيف ، وأمال عنق الأيام بالتآليف (٢) ، تخرج به أئمة في هذا الفنّ ، وروّق لهم في عصره منه سلافة الدّن (٣) ، فلو رآه يونس بن حبيب لكان بغيضا غير مجيب (٤) ، أو عيسى بن عمر لأصبح من تقصيره وهو محذّر ، أو الخليل لكان بعينه قذاه ، أو سيبويه لما تردى من مسألته الزنبورية برداه ، أو الكسائي لأعراه حلة جاهه عند الرشيد (٥) وأناسه ، أو الفرّاء لفرّ منه ولم يقتسم ولدا المأمون تقديم مداسه ، أو اليزيدي لما ظهر نقصه من مكامنه ، أو الأخفش لأخفى جملة من محاسنه ، أو أبو عبيدة لما تركه ينصب لشعب الشعوبية ، أو أبو عمرو لشغله بتحقيق اسمه دون التعلق بعربية ، أو السكري لما راق كلامه في المعاني ولا حلا ، أو المازني لما زانه قوله : «إن مصابكم رجلا» أو قطرب لما دبّ في العربية ولا درج ، أو ثعلب لاستكن بمكره في وكره ولما خرج ، أو المبرد لأصبحت كواه (٦) مقترة ، أو الزجاج لأمست قواريره مكسرة ، أو ابن الوزان لعدم نقده ، أو الثمانيني لما تجاوز حدّه ، أو ابن باب لعلم أن قياسه ما اطرد ، أو ابن دريد ما بلع (٧) ريقه ولا ازدرد ، أو ابن قتيبة لأضاع رحله ، أو ابن السراج لمشى (٨) إذ رأى وحله ، أو ابن الخشاب لأضرم فيه نارا ، ولم يجد معه نورا ، أو ابن الخباز لما سجّر له تنورا ، أو ابن القوّاس لما أغرق في نزعه ، أو ابن يعيش لأوقعه في نزعه ، أو ابن خروف لما وجد له مرعى ، أو ابن إياز لما وجد لأوزاره وقعا ، أو ابن الطراوة لم يكن نحوه طريا ، أو الدباج (٩) لكان من جلته (١٠) الرائقة عريّا ، وعلى الجملة فكان إمام النحاة في عصره شرقا وغربا ، وفريد هذا الفن الفذ بعدا وقربا ، وفيه قلت : [بحر السريع]
__________________
(١) السرحة : واحدة السرح ، وهو شجر عظيم طويل. والوجنة : الخد.
(٢) في ب : «التواليف».
(٣) روّق الشراب : صفاه. والسلافة : أفضل الخمر. والدن : وعاء ضخم للخمر.
(٤) يونس بن حبيب الضبي الولاء البصري أبو عبد الرحمن ، بارع في النحو ، سمع من العرب ، وروى عن سيبويه (بغية الوعاة ج ٢ ص ٣٦٥).
(٥) الخليل : هو الخليل بن أحمد الفراهيدي ، صاحب كتاب العين (انظر بغية الوعاة ١ / ٥٥٧).
(٦) في ب : «قواه مقترة».
(٧) في ب : «لما بلع ريقه».
(٨) في ب : «لمشاه ...».
(٩) في ب ، ه : «ابن الدباج».
(١٠) في ب : «حلته الرائقة».