ويشكوه ، فأجابه على ظهر كتابه : الحمد لله الذي جعل في بادية من بوادينا من يخطئ وافد أهل العراق إلينا ، وابن رفاعة أولى بالرضا عنه من السخط ، فدعه لشأنه ، وأقدم بالرجل غير منتقص من تكرمته ، فسوف يعليه الاختبار إن شاء الله تعالى أو يحطّه.
وبعض المؤرخين يزعم أن وفادة أبي علي القالي إنما كانت في خلافة الحكم المستنصر بالأندلس ، لا في خلافة أبيه الناصر ، والصواب أن وفادته في أيام الناصر ؛ لما ذكره غير واحد من حصره وعيّه عن الخطبة يوم احتفال الناصر لرسول الإفرنج كما ألمعنا به في غير هذا الموضع.
وفي القالي يقول شاعر الأندلس الرمادي : [بحر الكامل]
من حاكم بيني وبين عذولي؟ |
|
الشجو شجوي والعويل عويلي (١) |
في أي جارحة أصون معذّبي |
|
سلمت من التعذيب والتنكيل |
إن قلت في بصري فثم مدامعي |
|
أو قلت في قلبي فثمّ غليلي (٢) |
لكن جعلت له المسامع موضعا |
|
وحجبتها عن عذل كلّ عذول |
ولمّا سمع المتنبي البيت الثاني قال : يصونه في استه.
وكان الرمادي لمّا سمع قول المتنبي : [بحر البسيط]
كفى بجسمي نحولا أنني رجل |
|
لولا مخاطبتي إيّاك لم ترني |
قال : أظنّه ضرطة ، والجزاء من جنس العمل.
وباسم أمير المؤمنين الحكم المستنصر بالله طرّز الشيخ أبو علي القالي كتاب «الأمالي».
وكان الحكم كريما ، معنيّا بالعلم ، وهو الذي وجّه إلى الحافظ أبي الفرج الأصبهاني ألف دينار على أن يوجّه له نسخة من كتاب الأغاني ، وألّف أبو محمد الفهري كتابا في نسب أبي علي البغدادي ورواياته ودخوله الأندلس. وحكى ابن الطيلسان عن ابن جابر أنه قرأ هذين البيتين في لوح رخام كان سقط من القبّة المبنيّة على قبر أبي علي البغدادي عند تهدّمها ، وهما : [بحر الطويل]
__________________
(١) الشجو : الحزن. والعويل : البكاء.
(٢) الغليل : حرقة الباطن من حزن أو عطش.