وأصله من الموصل ، قال ابن بسام : ولمّا دخل صاعد قرطبة أيام المنصور بن أبي عامر عزم المنصور على أن يقضي به آثار أبي علي البغدادي الوافد على بني أمية ، فما وجد عنده ما يرتضيه ، وأعرض عنه أهل العلم ، وقدحوا في علمه وعقله ودينه ، ولم يأخذوا عنه شيئا لقلّة الثقة به ، وكان ألّف كتابا سمّاه كتاب «الفصوص» فدحضوه (١) ورفضوه ونبذوه في النهر ، ومن شعره قوله : [بحر الكامل]
ومهفهف أبهى من القمر |
|
قهر الفؤاد بفاتن النّظر |
خالسته تفّاح وجنته |
|
فأخذتها منه على غرر (٢) |
فأخافني قوم فقلت لهم : |
|
لا قطع في ثمر ولا كثر (٣) |
والكثر : الجمّار ، وهذا اقتباس من الحديث.
وقال الحميدي : سمعت أبا محمد بن حزم الحافظ يقول : سمعت أبا العلاء صاعدا ينشد بين يدي المظفر عبد الملك بن أبي عامر من قصيدة يهنيه فيها بعيد الفطر سنة ٣٩٦ : [بحر الوافر]
حسبت المنعمين على البرايا |
|
فألفيت اسمه صدر الحساب |
وما قدّمته إلّا كأني |
|
أقدّم تاليا أمّ الكتاب |
وذكر الحميدي أن عبد الله بن ماكان الشاعر تناول نرجسة فركبها في وردة ثم قال لصاعد ولأبي عامر بن شهيد : صفاها ، فأفحما ، ولم يتّجه لهما القول ، فبينما هم على ذلك إذ دخل الزهيري صاحب أبي العلاء وتلميذه ، وكان شاعرا أديبا أمّيّا لا يقرأ ، فلمّا استقرّ به المجلس أخبر بما هم فيه ، فجعل يضحك ويقول : [بحر السريع]
ما للأديبين قد اعيتهما |
|
مليحة من ملح الجنّه |
نرجسة في وردة ركّبت |
|
كمقلة تطرف في وجنه |
انتهى.
ومن غريب ما جرى لصاعد أن المنصور جلس يوما وعنده أعيان مملكته ودولته من أهل العلم كالزبيدي والعاصمي وابن العريف وغيرهم ، فقال لهم المنصور : هذا الرجل الوافد علينا
__________________
(١) دحضوه : نقضوه وأزالوا حجته.
(٢) خالسته : أخذته خلسة : وأخذتها على غرر ، أراد : أخذتها على غفلة.
(٣) الكثر ، بفتح الكاف والثاء : هو جمار النخل ، والجمار : شحم النخل الذي يكون في وسط النخلة. وقد جاء في الحديث الشريف : «لا قطع في ثمر ولا كثر».