ولقد خاطبت من مصر مفتي الشام صدر الأكابر ، وارث المجد كابرا عن كابر ، ساحب أذيال الكمال ، صاحب الخلال المبلغة الآمال ، مولانا شيخ الإسلام الشيخ عبد الرحمن العمادي الحنفي ، بكتاب لم يحضرني منه الآن غير بيتين في أوله ، وهما : [بحر السريع]
يا حادي الأظعان نحو الشّآم |
|
بلغ تحياتي لتلك الفئام (١) |
وابدأ بمفتيها العماديّ الرّضا |
|
دام به شمل الهنا في التئام (٢) |
فأجابني بما نصه : [السريع]
إلى أهالي مصر أهدي السلام |
|
مبتدئا بالمقريّ الهمام |
من ضاع نشر العلم من عرفه |
|
ولم يضع منه الوفا للذّمام (٣) |
أهدى تحف التحية ، إلى حضرته العلية ، وذاته ذات الفضائل السنية الأحمدية ، التي من صحبها لم يزل موصولا بطرائف الصّلات والعوائد ، الأوحدية الجامعة التي لها منها عليها شواهد : [بحر السريع]
وليس لله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد (٤) |
فيا من جذب قلوب أهل عصره إلى مصره ، وأعجز عن وصف فضله كلّ بليغ ولو وصل إلى النثرة (٥) بنثره ، أو إلى الشّعرى بشعره (٦) ، ومن زرع حبّ حبّه في القلوب فاستوى على سوقه ، وكاد كل قلب يذوب بعد بعده من حر شوقه ، وظهرت شمس فضله من الجانب الغربي فبهرت بالشروق ، وأصبح كل صب وهو إلى بهجتها مشوق ، زار الشام ثم ما سلّم حتى ودّع ، بعد أن فرع بروضها أفنان الفنون فأبدع ، وأسهم لكل من أهلها نصيبا من وداده ، فكان أوفرهم سهما هذا المحب الذي رفع بصحبته سمك عماده ، وعلق بمحبته شغاف فؤاده ، فإنه دنا من قلبه فتدلّى ، وفاز من حبه بالسهم المعلّى ، أدام الله تعالى لك البقاء ، وأحسن لنا بك الملتقى ، ومنّ علينا منك بنعمة قرب اللقاء ، آمين بمنه ويمنه ، هذا ، وقد وصل من ذلك الجناب الوفي ، كتاب كريم هو اللطف الخفي ، بل هو من عزيز مصر القميص اليوسفي ، جاء به البشير ذو
__________________
(١) في ب ، ه : «بلغ تحياتي لتلك الخيام». والفئام : الجماعة من الناس.
(٢) في ه : «دام به شمل الهوى في التئام» وما أثبتناه أصح.
(٣) النشر : العطر. وضاع : تضوّع وانتشر. ولم يضع : مضارع من الضياع.
(٤) البيت لأبي نواس.
(٥) النثرة : اسم لكوكبين.
(٦) الشعرى : اسم لكوكبين أيضا.