التعجب من حالهم بزيادة كلمة (ذا) بعد (ما) الاستفهامية في سورة الأنبياء. وكلمة (ذا) إذا وقعت بعد (ما) تؤول إلى معنى اسم الموصول فصار المعنى في سورة الأنبياء : ما هذا الذي تعبدونه ، فصار الإنكار مسلطا إلى كون تلك الأصنام تعبد.
والظاهر أنه ألقى عليهم السؤال حين تلبّسهم بعبادة الأصنام كما هو مناسب الإتيان بالمضارع في قوله : (تَعْبُدُونَ) وما فهم قومه من كلامه إلا الاستفسار فأجابوا : بأنهم يعبدون أصناما يعكفون على عبادتها.
والتنوين في (أَصْناماً) للتعظيم ، ولذا عدل عن تعريفها وهم يعلمون أن إبراهيم يعرفها ويعلم أنهم يعبدونها. واسم الأصنام عندهم اسم عظيم فهم يفتخرون به على عكس أهل التوحيد. ولهذا قال إبراهيم لهم في مقام آخر (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) [العنكبوت : ١٧] على وجه التحقير لمعبوداتهم والتحميق لهم. وأتوا في جوابهم بفعل (نَعْبُدُ) مع أن الشأن الاستغناء عن التصريح إذ كان جوابهم عن سؤال فيه (تَعْبُدُونَ). فلا حاجة إلى تعيين جنس المعبودات فيقولوا أصناما كما في قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة : ٢١٩] ، (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَ) [سبأ : ٢٣] (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) [النحل : ٣٠] فعدلوا عن سنّة الجواب إلى تكرير الفعل الواقع في السؤال ابتهاجا بهذا الفعل وافتخارا به ، ولذلك عطفوا على قولهم : (نَعْبُدُ) ما يزيد فعل العبادة تأكيدا بقولهم : (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ). وفي فعل «نظلّ» دلالة الاستمرار جميع النهار. وأيضا فهم كانوا صابئة يعبدون الكواكب وجعلوا الأصنام رموزا على الكواكب تكون خلفا عنها في النهار ، فإذا جاء الليل عبدوا الكواكب الطالعة.
وضمّن (عاكِفِينَ) معنى (عابدين) فعدي إليه الفعل باللام دون (على). ولما كان شأن الرب أن يلجأ إليه في الحاجة وأن ينفع أو يضر ألقى إبراهيم عليهم استفهاما عن حال هذه الأصنام هل تسمع دعاء الداعين وهل تنفع أو تضر تنبيها على دليل انتفاء الإلهية عنها.
وكانت الأمم الوثنية تعبد الوثن لرجاء نفعه أو لدفع ضره ولذلك عبد بعضهم الشياطين.
وجعل مفعول (يَسْمَعُونَكُمْ) ضمير المخاطبين توسعا بحذف مضاف تقديره : هل يسمعون دعاءكم كما دل عليه الظرف في قوله : (إِذْ تَدْعُونَ). وأراد إبراهيم فتح المجادلة ليعجزوا عن إثبات أنها تسمع وتنفع.