نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) َلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢))
يجوز أن يكون هذا من حكاية كلام إبراهيم عليهالسلام أطنب به الموعظة لتصوير هول ذلك اليوم فتكون الجملة حالا ، أو تكون مستأنفة استئنافا بيانيا كما سيأتي.
ويجوز أن يكون حكاية كلام إبراهيم انتهت عند قوله : (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) [الشعراء : ٩٥] أو عند قوله تعالى : (يَوْمَ يُبْعَثُونَ) [الشعراء : ٨٧] على ما استظهر ابن عطية. ويكون هذا الكلام موعظة من الله للسامعين من المشركين وتعليما منه للمؤمنين فتكون الجملة استئنافا معترضا بين ذكر القصة والتي بعدها وهو استئناف بياني ناشئ عن قوله :(فَكُبْكِبُوا فِيها) [الشعراء : ٩٤] لأن السامع بحيث يسأل عن فائدة إيقاع الأصنام في النار مع أنها لا تفقه ولا تحسّ فبيّن له ذلك ، فحكاية مخاصمة عبدتها بينهم لأن رؤيتهم أصنامهم هو مثار الخصومة بينهم إذ رأى الأتباع كذب مضلّليهم معاينة ولا يجد المضلّلون تنصّلا ولا تفصّيا ، فإن مذلة الأصنام وحضورها معهم وهم في ذلك العذاب أقوى شاهد على أنها لا تملك شيئا لهم ولا لأنفسها.
وأما جملة : (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) فهي في موضع الحال ، وجملة (تَاللهِ) مقول القول ، وجملة : (إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) جواب القسم. و (إِنْ) مخففة من (إنّ) الثقيلة وقد أهملت عن العمل بسبب التخفيف فإنه مجوز للإهمال. والجملة بعدها سادّة مسد اسمها وخبرها. واقتران خبر (كان) باللام في الجملة التي بعدها للفرق بين (إِنْ) المخففة المؤكدة وبين (إن) النافية ، والغالب أن لا تخلو الجملة التي بعد (إِنْ) المخففة عن فعل من باب (كان).
وجيء في القسم بالتاء دون الواو والباء لأن التاء تختص بالقسم في شيء متعجب منه كما تقدم في قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) في سورة يوسف [٧٣] ، وقوله : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) في سورة الأنبياء [٥٧] ، فهم يعجبون من ضلالهم إذ ناطوا آمالهم المعونة والنصر بحجارة لا تغني عنهم شيئا. ولذلك أفادوا تمكن الضلال منهم باجتلاب حرف الظرفية المستعار لمعنى الملابسة لأن المظروف شديد الملابسة لظرفه ، وأكدوا ذلك بوصفهم الضلال بالمبين ، أي الواضح البيّن. وفي هذا تسفيه منهم لأنفسهم إذ تمشّى عليها هذا الضلال الذي ما كان له أن يروج على ذي مسكة من عقل.