امتناعهم من الامتثال لدعوته.
ويجوز أن يكون ألا حرفا واحدا هو حرف التحضيض مثل قوله تعالى : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) [التوبة : ١٣] وهو يقتضي تباطؤهم عن تصديقه.
والمراد بالتقوى : خشية الله من عقابه إياهم على أن جعلوا معه شركاء.
وجملة : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) تعليل للإنكار أو للتحضيض ، أي كيف تستمرون على الشرك وقد نهيتكم عنه وأنا رسول لكم أمين عندكم.
وكان نوح موسوما بالأمانة لا يتهم في قومه كما كان محمد صلىاللهعليهوسلم يلقب الأمين في قريش. قال النابغة :
كذلك كان نوح لا يخون
وتأكيده بحرف التأكيد مع عدم سبق إنكارهم أمانته لأنه توقّع حدوث الإنكار فاستدل عليهم بتجربة أمانته قبل تبليغ الرسالة ، فإن الأمانة دليل على صدقه فيما بلّغهم من رسالة الله ، كما قال هرقل لأبي سفيان وقد سأله : هل جربتم عليه (يعني النبيصلىاللهعليهوسلم) كذبا ، فقال أبو سفيان : لا ونحن منه في مدة لا ندري ما فعل فيها. فقال له هرقل بعد ذلك : فقد علمت أنه ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله. ففي حكاية استدلال نوح بأمانته بين قومه في هذه القصة المسوقة مثلا للمشركين في تكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوسلم تعريض بهم إذ كذبوه بعد أن كانوا يدعونه الأمين ، ويحتمل أن يراد به أمين من جانب الله على الأمة التي أرسل إليها. والتأكيد أيضا لتوقع الإنكار منهم.
وجملة : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) عطف على جملة : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) أي علمتم أني أمين لكم وتعلمون أني لا أطلب من دعوتكم إلى الإيمان نفعا لنفسي. وضمير (عَلَيْهِ) عائد إلى معلوم من مقام الدعوة.
وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) تأكيد لقوله : (أَلا تَتَّقُونَ) وهو اعتراض بين الجملتين المتعاطفتين. وكرر جملة : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) لزيادة التأكيد فيكون قد افتتح دعوته بالنهي عن ترك التقوى ثم علل ذلك ثم أعاد ما تقتضيه جملة الاستفتاح ، ثم علل ذلك بقوله : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) ، ثم أعاد جملة الدعوة في آخر كلامه إذ قال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) مرة ثانية بمنزلة النتيجة للدعوة ولتعليلها.