وليس ذلك لمجرد نقل حركة الهمزة على اللام كما توهمه النحّاس ، ولا لأن القراءة اغترار بخط المصحف كما تعسّفه صاحب «الكشاف» على عادته في الاستخفاف بتوهيم القراء ، وقد علمتم أن الاعتماد في القراءات على الرواية قبل نسخ المصاحف كما بيناه في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير فلا تتبعوا الأوهام المخطئة.
وقد اختلف في أن أصحاب ليكة هم مدين أو هم قوم آخرون ساكنون في ليكة جوار مدين أرسل شعيب إليهم وإلى أهل مدين. وإلى هذا مال كثير من المفسرين. روى عبد الله بن وهب عن جبير بن حازم عن قتادة قال : أرسل شعيب إلى أمتين : إلى قومه من أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة. وقال جابر بن زيد : أرسل شعيب إلى قومه أهل مدين وإلى أهل البادية وهم أصحاب الأيكة. وفي «تفسير ابن كثير» : روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شعيب عليهالسلام من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا النبي» ، وقال ابن كثير : هذا غريب ، وفي رفعه نظر ، والأشبه أنه موقوف. وروى ابن جريج عن ابن عباس أن أصحاب الأيكة هم أهل مدين. والأظهر أن أهل الأيكة قبيلة غير مدين فإن مدين هم أهل نسب شعيب وهم ذرية مدين بن إبراهيم من زوجه «قطورة» سكن مدين في شرق بلد الخليل كما في التوراة ، فاقتضى ذلك أنه وجده بلدا مأهولا بقوم فهم إذن أصحاب الأيكة فبنى مدين وبنوه المدينة وتركوا البادية لأهلها وهم سكان الغيضة.
والذي يشهد لذلك ويرجحه أن القرآن لمّا ذكر هذه القصة لأهل مدين وصف شعيبا بأنه أخوهم ، ولما ذكرها لأصحاب ليكة لم يصف شعيبا بأنه أخوهم إذ لم يكن شعيب نسيبا ولا صهرا لأصحاب ليكة ، وهذا إيماء دقيق إلى هذه النكتة. ومما يرجح ذلك قوله تعالى في سورة الحجر [٧٨ ، ٧٩] (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) ، فجعل ضميرهم مثنى باعتبار أنهم مجموع قبيلتين : مدين وأصحاب ليكة. وقد بيّنّا ذلك في سورة الحجر. وإنما ترسل الرسل من أهل المدائن قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) يوحى (إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) [يوسف : ١٠٩] وتكون الرسالة شاملة لمن حول القرية.
وافتتح شعيب دعوته بمثل دعوات الرسل من قبله للوجه الذي قدمناه.
وشمل قوله : (أَلا تَتَّقُونَ) النهي عن الإشراك فقد كانوا مشركين كما في آية سورة