الآية حال من يتّبع الشعراء بحالهم تشويها للفريقين وتنفيرا منهما. ومن هؤلاء : النضر بن الحارث ، وهبيرة بن أبي وهب ومسافع بن عبد مناف ، وأبو عزة الجمحي ، وابن الزّبعرى ، وأمية بن أبي الصّلت ، وأبو سفيان ابن الحارث ، وأمّ جميل العوراء بنت حرب زوج أبي لهب التي لقبها القرآن : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) [المسد : ٤] وكانت شاعرة وهي التي قالت :
مذمّما عصينا |
وأمره أبينا |
ودينه قلينا |
فكانت هذه الآية نفيا للشعر أن يكون من خلق النبي صلىاللهعليهوسلم وذما للشعراء الذين تصدوا لهجائه.
فقوله : (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) ذمّ لأتباعهم وهو يقتضي ذم المتبوعين بالأحرى. والغاوي : المتصف بالغي والغواية ، وهي الضلالة الشديدة ، أي يتبعهم أهل الضلالة والبطالة الراغبون في الفسق والأذى. فقوله : (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) خبر ، وفيه كناية عن تنزيه النبي صلىاللهعليهوسلم أن يكون منهم فإن أتباعه خيرة قومهم وليس فيهم أحد من الغاوين ، فقد اشتملت هذه الجملة على تنزيه النبي صلىاللهعليهوسلم وتنزيه أصحابه وعلى ذم الشعراء وذمّ أتباعهم وتنزيه القرآن عن أن يكون شعرا.
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي هنا يظهر أنه لمجرد التقوّي والاهتمام بالمسند إليه للفت السمع إليه والمقام مستغن عن الحصر لأنه إذا كانوا يتبعهم الغاوون فقد انتفى أتباعهم عن الصالحين لأن شأن المجالس أن يتحد أصحابها في النزعة كما قيل :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
وجعله في «الكشاف» للحصر ، أي لا يتبعهم إلّا الغاوون ، لأنه أصرح في نفي اتّباع الشعراء عن المسلمين. وهذه طريقته باطراد في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي أنه يفيد تخصيصه بالخبر ، أي قصر مضمون الخبر عليه ، أي فهو قصر إضافي كما تقدم بيانه عند قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) في سورة البقرة [١٥].
والرؤية في (أَلَمْ تَرَ) قلبية لأن الهيام والوادي مستعاران لمعاني اضطراب القول في أغراض الشعر وذلك مما يعلم لا مما يرى.
والاستفهام تقريري ، وأجري التقرير على نفي الرؤية لإظهار أن الإقرار لا محيد عنه كما تقدم في قوله : (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) [الشعراء : ١٨] ، والخطاب لغير معين.
وضمائر (أَنَّهُمْ) ـ و ـ (يَهِيمُونَ) ـ و ـ (يَقُولُونَ) ـ و ـ (يَفْعَلُونَ) عائدة إلى الشعراء.