نحشرهم أن يعود على المشركين الذين قرعتهم الآية بالوعيد وهم الذين قالوا : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) إلى قوله : (مَسْحُوراً) [الفرقان : ٧ ، ٨] ؛ لكن ما يقتضيه وصفهم ب (الظَّالِمُونَ) والإخبار عنهم بأنهم كذبوا بالساعة وما يقتضيه ظاهر الموصول في قوله : (لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ) [الفرقان : ١١] من شمول كل من تحقق فيه مضمون الصلة ، كل ذلك يقتضي أن يكون ضمير نحشرهم عائدا إلى (لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ) فيشمل المشركين الموجودين في وقت نزول الآية ومن انقرض منهم بعد بلوغ الدعوة المحمدية ومن سيأتي بعدهم من المشركين.
ووصف العباد هنا تسجيل على المشركين بالعبودية وتعريض بكفرانهم حقها.
والإشارة إليهم لتمييزهم من بين بقية العباد.
وهذا أصل في أداء الشهادة على عين المشهود عليه لدى القاضي.
وإسناد القول إلى ما يعبدون من دون الله يقتضي أن الله يجعل في الأصنام نطقا يسمعه عبدتها ، أما غير الأصنام ممن عبد من العقلاء فالقول فيهم ظاهر.
وإعادة فعل (ضَلُّوا) في قوله : (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) ليجري على ضميرهم مسند فعلي فيفيد التقوّي في نسبة الضلال إليهم. والمعنى : أم هم ضلوا من تلقاء أنفسهم دون تضليل منكم. وحق الفعل أن يعدى ب (عن) ولكنه عدي بنفسه لتضمنه معنى (أخطئوا) ، أو على نزع الخافض.
و (سُبْحانَكَ) تعظيم لله تعالى في مقام الاعتراف بأنهم ينزهون الله عن أن يدّعوا لأنفسهم مشاركته في الإلهية.
ومعنى : (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) ما يطاوعنا طلب أن نتخذ عبدة لأن (انبغى) مطاوع (بغاه) إذا طلبه. فالمعنى : لا يمكن لنا اتخاذنا أولياء ، أي عبادا ، قال تعالى : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) [ص : ٣٥]. وقد تقدم في قوله تعالى : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) في سورة مريم [٩٢]. وهو هنا كناية عن انتفاء طلبهم هذا الاتخاذ انتفاء شديدا ، أي نتبرأ من ذلك ، لأن نفي (كان) وجعل المطلوب نفيه خبرا عن (كان) أقوى في النفي ولذلك يسمى جحودا. والخبر مستعمل في لازم فائدته ، أي نعلم أنه لا ينبغي لنا فكيف نحاوله.
(ومن) في قوله : (مِنْ دُونِكَ) للابتداء لأن أصل (دون) أنه اسم للمكان ، ويقدر