مضاف محذوف يضاف إليه (دون) نحو : جلست دون ، أي دون مكانه ، فموقع (من) هنا موقع الحال من (أَوْلِياءَ). وأصلها صفة ل (أَوْلِياءَ) فلما قدمت الصفة على الموصوف صارت حالا. والمعنى : لا نتخذ أولياء لنا موصوفين بأنهم من جانب دون جانبك ، أي أنهم لا يعترفون لك بالوحدانية في الإلهية فهم يشركون معك في الإلهية.
وعن ابن جني : أن (من) هنا زائدة. وأجاز زيادة (من) في المفعول.
و (من) في قوله : (مِنْ أَوْلِياءَ) مزيدة لتأكيد عموم النفي ، أي استغراقه لأنه نكرة في سياق النفي.
والأولياء : جمع الولي بمعنى التابع في الولاء فإن الولي يرادف المولى فيصدق على كلا طرفي الولاء ، أي على السيد والعبد ، أو الناصر والمنصور. والمراد هنا : الوليّ التابع كما في قوله : (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) في سورة مريم [٤٥] ، أي لا نطلب من الناس أن يكونوا عابدين لنا.
وقرأ الجمهور (نَتَّخِذَ) بالبناء للفاعل. وقرأه أبو جعفر (نَتَّخِذَ) بضم النون وفتح الخاء على البناء للمفعول ، أي أن يتخذنا الناس أولياء لهم من دونك. فموقع (مِنْ دُونِكَ) موقع الحال من ضمير (نَتَّخِذَ). والمعنى عليه : أنهم يتبرّءون من أن يدعوا الناس لعبادتهم ، وهذا تسفيه للذين عبدوهم ونسبوا إليهم موالاتهم. والمعنى لا نتخذ من يوالينا دونك ، أي من يعبدنا دونك.
والاستدراك الذي أفاده (لكن) ناشئ عن التبري من أن يكونوا هم المضلين لهم بتعقيبه ببيان سبب ضلالهم لئلا يتوهم أن تبرئة أنفسهم من إضلالهم يرفع تبعة الضلال عن الضالين. والمقصود بالاستدراك ما بعد (حتى) وهو (نَسُوا الذِّكْرَ). وأما ما قبلها فقد أدمج بين حرف الاستدراك ومدخوله ما يسجل عليهم فظاعة ضلالهم بأنهم قابلوا رحمة الله ونعمته عليهم وعلى آبائهم بالكفران ، فالخبر عن الله بأنه متّع الضالين وآباءهم مستعمل في الثناء على الله بسعة الرحمة ، وفي الإنكار على المشركين مقابلة النعمة بالكفران غضبا عليهم.
وجعل نسيانهم الذكر غاية للتمتيع للإيماء إلى أن ذلك التمتيع أفضى إلى الكفران لخبث نفوسهم فهو كجود في أرض سبخة قال تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة : ٨٢].