(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : ٢٦ ، ٢٧]. فأضاف (غيب) إلى ضمير الجلالة.
وأردف هذا الخبر بإدماج انتفاء علم هؤلاء الزاعمين علم الغيب أنهم لا يشعرون بوقت بعثهم بل جحدوا وقوعه إثارة للتذكير بالبعث لشدة عناية القرآن بإثباته وتسفيه الذين أنكروه. فذلك موقع قوله (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ، أي أن الذين يزعمون علم الغيب ما يشعرون بوقت بعثهم.
و (أَيَّانَ) اسم استفهام عن الزمان وهو معلّق فعل (يَشْعُرُونَ) عن العمل في مفعوليه. وهذا تورّك وتعيير للمشركين فإنهم لا يؤمنون بالبعث بلة شعورهم بوقته.
و (بَلِ) للإضراب الانتقالي من الإخبار عنهم ب (ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) وهو ارتقاء إلى ما هو أغرب وأشد ارتقاء من تعييرهم بعدم شعورهم بوقت بعثهم إلى وصف علمهم بالآخرة التي البعث من أول أحوالها وهو الواسطة بينها وبين الدنيا بأنه علم متدارك أو مدرك.
وقرأ الجمهور (ادَّارَكَ) بهمز وصل في أوله وتشديد الدال على أن أصله (تدارك) فأدغمت تاء التفاعل في الدال لقرب مخرجيها بعد أن سكنت واجتلب همز الوصل للنطقبالساكن. قال الفراء وشمر : وهو تفاعل من الدّرك بفتحتين وهو اللحاق.
وقد امتلكت اللغويين والمفسرين حيرة في تصوير معنى الآية على هذه القراءة تثار منه حيرة للناظر في توجيه الإضرابين اللذين بعد هذا الإضراب وكيف يكونان ارتقاء على مضمون هذا الانتقال ، وذكروا وجوها مثقلة بالتكلف.
والذي أراه في تفسيرها على هذا الاعتبار اللغوي أن معنى التدارك هو أن علم بعضهم لحق علم بعض آخر في أمر الآخرة لأن العلم ، وهو جنس ، لمّا أضيف إلى ضمير الجماعة حصل من معناه علوم عديدة بعدد أصناف الجماعات التي هي مدلول الضمير فصار المعنى : تداركت علومهم بعضها بعضا.
وذلك صالح لمعنيين : أولهما : أن يكون التدارك وهو التلاحق الذي هو استعمال مجازي يساوي الحقيقة ، أي تداركت علوم الحاضرين مع علوم أسلافهم ، أي تلاحقت وتتابعت فتلقّى الخلف عن السلف علمهم في الآخرة وتقلدوها عن غير بصيرة ولا نظر ، وذلك أنهم أنكروا البعث ويشعر لذلك قوله تعالى عقبه (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً