وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [النمل : ٦٧ ـ ٦٨]. وقريب من هذا قوله تعالى في سورة المؤمنين [٨١] (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ).
الوجه الثاني : أن يكون التدارك مستعملا مجازا مرسلا في الاختلاط والاضطراب لأن التدارك والتلاحق يلزمه التداخل كما إذا لحقت جماعة من الناس جماعة أخرى أي لم يرسوا على أمر واختلفت أقوالهم اختلافا يؤذن بتناقضها ، فهم ينفون البعث ثم يزعمون أن الأصنام شفعاؤهم عند الله من العذاب ، وهذا يقتضي إثبات البعث ولكنهم لا يعذبون ثم يتزودون تارة للآخرة ببعض أعمالهم التي منها : أنهم كانوا يحبسون الراحلة على قبر صاحبها ويتركونها لا تأكل ولا تشرب حتى تموت فيزعمون أن صاحبها يركبها ، ويسمونها البلية ، فذلك من اضطراب أمرهم في الآخرة.
وفعل المضي على هذين الوجهين على أصله. وحرف (في) على هاذين الوجهين في تفسيرها على قراءة الجمهور مستعمل في السببية ، أي بسبب الآخرة.
ويجوز وجه آخر وهو أن يكون (ادَّارَكَ) مبالغة في (أدرك) ومفعوله محذوفا تقديره : إدراكهم ، أي حصل لهم علمهم بوقت بعثهم في اليوم الذي يبعثون فيه ، أي يومئذ يوقنون بالبعث ، فيكون فعل المضي مستعملا في معنى التحقق ، ويكون حرف (في) على أصله من الظرفية ..
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر بل أدرك بهمز قطع وسكون الدال ، ومعناه ؛ انتهى علمهم في الآخرة. يقال : أدرك ، إذا فني. وفي ثبوت معنى فني لفعل أدرك خلاف بين أئمة اللغة ، فقد أثبته ابن المظفر في رواية شمّر عنه قال شمّر : ولم أسمعه لغيره ، وأثبته الزمخشري في «الكشاف» في هذه الآية وصاحب «القاموس». وقال أبو منصور : هذا غير صحيح في لغة العرب وما علمت أحدا قال : أدرك الشيء إذا فني.
وأقول قد ثبت في اللغة : أدركت الثمار ، إذا انتهى نضجها ، ونسبه في «تاج العروس» لليث ولابن جني وحسبك بإثبات هؤلاء الأثبات. قال الكواشي في «تبصرة المتذكر» : المعنى فني علمهم في الآخرة من أدركت الفاكهة ، إذا بلغت النضج وذلك مؤذن بفنائها وزوالها.
فحاصل المعنى على قراءة الجمهور (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) وقد تلقى بعضهم