وجب الرجوع إلى الإعراب ، وإنما قدّمت الظروف على الأحوال لأن ذلك في الظروف أكثر وقوعا ؛ فكان أولى بالتقديم.
فإن قلت : قد وقع التركيب المذكور فيما ليس بظرف ولا حال ، كقولهم : «وقعوا في حيص بيص» أي في شدّة يعسر التخلّص منها (١).
قلت : هو شاذ ، فلذلك لم أتعرض لذكره في هذا المختصر.
ولم يقع في التنزيل تركيب الأحوال ولا تركيب الظروف ، وإنما وقع فيه تركيب الأعداد ، نحو : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [يوسف ، الآية ٤] (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة ، ٦٠] (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر ، ٣٠] أي : على سقر تسعة عشر ملكا يحفظون أمرها ، وقيل : صنفا وقيل : صفّا من الملائكة ، وقرئ : (تِسْعَةَ عَشَرَ) جمع عشير ، مثل : أيمن في جمع يمين ، وعلى هذا فتسعة مرفوع ، وأعشر مخفوض بالإضافة منوّن.
ومجيء هذا التركيب في الأحوال قليل بالنسبة إلى مجيئه في الظروف.
______________________________________________________
الشّاهد فيه : قوله «يوم يوم» حيث أجرى لفظ «يوم» الأول على ما تقتضيه العوامل فرفعه بالابتداء ، وأضافه إلى «يوم» الثاني ، فجره بالإضافة ، وذلك لأنه لم يرد بهما الظرفية ، قال سيبويه : «والعرب لا تجعل شيئا من هذه الأسماء بمنزلة اسم واحد إلا في حال الحال أو الظرف» اه ؛ ثم قال بعد ذلك : «وهذا قول جميع من نثق بعلمه وروايته عن العرب ، ولا أعلمه إلا قول الخليل» اه.
__________________
(١) تقول : «وقع القوم في حيص بيص» بفتح أولهما وآخرهما وبكسر أولهما وفتح آخرهما ، وبفتح أولهما وكسر آخرهما ـ فأما معنى هذه العبارة فمن العلماء من قال : معناها وقعوا في شدة وضيق يعسر عليهم التخلص منهما ، ومنهم من قال : معناها وقعوا في اختلاط وهرج لا مخرج لهم منهما ، وفي حديث سعيد بن جبير ، وقد سئل عن المكاتب إذا اشترط عليه أهله ألا يخرج من بلده ؛ فقال : «أثقلتم ظهره ، وجعلتم الأرض عليه حيص بيص» وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي :
قد كنت خرّاجا ولوجا صيرفا |
|
لم تلتحصني حيص بيص لحاص |
وأما إعراب هذه العبارة فاللغتان الأولى والثانية على ما ذكر المؤلف ، والكلمتان فيهما مبنيتان على فتح الجزأين ؛ وعلى اللغة الثالثة كل كلمة من الكلمتين مبنية على الكسر.