فهذه الأنواع كلها نكرات ، وهي في المعنى بمنزلة قولك : جاء زيد منفردا ، وكم
______________________________________________________
أحدهما يتعلق به غرض المؤلف ههنا ، وهو في قوله «لا أباك» حيث استعمل كلمة «أبا» اسما للا النافية للجنس ، وأضافها إلى ضمير المخاطبة ، فيكون قولهم «لا أبا لك» من باب الإضافة واللام مقحمة بين المضاف والمضاف إليه ، وهذا أحد أقوال كثيرة في هذا التعبير ، وليس من شأننا في هذه العجالة أن نفصل لك الأقوال ، وبحسبنا أن نبين كلام المؤلف ، ولم نعلم أنه قد جاء في العربية مثل بيت الشاهد مما أضيف إليه «أبا» صراحة إلا قول مسكين الدارمي في بعض رواياته :
وقد مات شمّاخ ومات مزرّد |
|
وأيّ كريم لا أباك مخلّد |
والشاهد الثاني ـ وليس مما يتعلق به غرض المؤلف في هذا الموضع ـ في قوله : «تخوفيني» حيث حذف نون الرفع ، وأبقى نون الوقاية ، والذي سوغ هذا الحذف هو اجتماع المثلين ، وأصل العبارة «تخوفينني» بنونين إحداهما نون الرفع والثانية نون الوقاية ، وللعرب في مثل هذا ثلاث طرق :
الأولى : أن يثبتوا النونين جميعا بحالهما ؛ فيقولون : أتخوفونني أيها الرجال ، وتقول : أتخوفينني يا هند ، وهذه الطريق هي الأصل ، وعليها غالب استعمالهم ، وعلى ذلك جاء قوله تعالى : (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) [سورة الأحقاف ، الآية : ١٧].
الطريق الثانية : أن يثبتوا النونين جميعا أيضا ، ولكنهم يدغمون إحداهما في الأخرى وقد جاءت هذه اللغة في القرآن الكريم في قوله تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [سورة الزمر ، الآية : ٦٤].
والطريق الثالثة : أن يحذفوا إحدى النونين ، وللعلماء خلاف في المحذوفة منهما ، والصحيح أن المحذوفة منهما هي نون الرفع ، وقد وردت على هذه الطريقة جملة صالحة من الشواهد ، منها هذا البيت الذي استشهد به المؤلف ههنا ، وقد قرئ قوله تعالى : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [الحجر ، ٥٤] ـ بنون واحدة قبل الياء على هذه اللغة.
ومن شواهد هذه الطريقة قول الشاعر ، وهو من شعر الحماسة :
أنا الذي يجدوني في صدورهم |
|
لا أرتقي صدرا منها ولا أرد |
الأصل : أنا الذي يجدونني.
وقد حذفت نون الرفع من غير أن يكون معها نون الوقاية في قول الآخر :
أبيت أسري وتبيتي تدلكي |
|
شعرك بالعنبر والمسك الذكي |
فإن الأصل : وتبيتين تدلكين شعرك ـ إلخ.