وجودهم ومشاهدتهم ، ثمّ يعبّر عن تلك الأحاديث وقت المشاهدة ، وتارة نطقاً عقليّاً إمّا بجزم القول : إنّ الحق والصدق كذا ، وإمّا بترديد الفكر انّه هل يجوز أن يكون الشيء كذا أو يستحيل أو يجب إلى غير ذلك من الأفكار حتى انّ كلّ صانع ، يُحدِّث نفسه أوّلاً بالغرض الذي توجهت إليه صنعته ، ثم تنطق نفسه في حالة الفعل محادثةً مع الآلات والأدوات والمواد والعناصر ، ومن أنكر أمثال هذه المعاني فقد جحد الضرورة » (١).
وقال الفاضل القوشجي :
« إنّ من يورد صيغة أمر أو نهي أو نداء أو اخبار أو استخبار أو غير ذلك يجد في نفسه معاني يعبّر عنها يسمّيها بالكلام الحسّي ، والمعنى الذي يجده في نفسه ويدور في خلده ، ولا يختلف باختلاف العبارات بحسب الأوضاع والاصطلاحات ، ويقصد المتكلّم حصوله في نفس السامع على موجبه هو الذي نسميه الكلام النفسي » (٢).
يلاحظ عليه : أنّه لو كان المراد من المعنى النفسي هو المعاني المنتظمة في خلد المتكلّم ، التي لا تختلف حسب اختلاف الألفاظ والتعبيرات فهو إمّا معاني مفردة أو معاني مركبة.
وعلى كلا التقديرين فهما من أقسام العلم التصوّري أو التصديقي وليستا خارجتين عنه مع أنّ المدّعى كون التكلّم وصفاً مغايراً للعلم كما أنّ المعنى الموجود في الذهن في الانشائيات هو الإرادة والكراهة المبرزتين بالأمر والنهي وليست شيئاً ورائهما مع أنّ المدّعي انّ الكلام النفسي غير الإرادة والانشاء.
ولقد أنصف القاضي الايجي حيث أوعز إلى انّ هذا البيان لا يتم إلاّ إذا ثبت أنّ
__________________
(١) نهاية الاقدام : ص ٢٣١ ، ولكلامه ذيل فراجع.
(٢) شرح التجريد للقوشجي : ص ٤٢٠.