لديه حضوراً واقعيّاً ، وليس للعلم حقيقة وراء حضور المعلوم لدى العالم ولعلّ هذا هو مراد من قال من المتكلّمين : سمعه تعالى يؤول إلى علمه بالمسموعات إذ لا جارحة له ، وإلاّ فالتعليل المذكور لا يكون دليلاً على عدم كونه سميعاً حقيقة.
قال الحكيم السبزواري : الله سبحانه يسمع جميع الأصوات التي كانت وستكون بسمع واحد حضوري اشراقي ، ومن أسماءه الحسنى : « من لا يشغله سمع عن سمع » فمناط السمع حضور الأصوات ، حتى لو فرضت حضور الأصوات لك ، بلا قرع صماخ لكنت سميعاً فما ظنّك بمن حضور إله ، أشد من حضورها لانفسها ، فلا قيمة دفت من يقول من المتكلّمين : سمعه تعالى يؤول إلى علمه بالمسموعات إذ لا جارحة له بل الأمر كما قال شيخ الاشراق : إنّ علمه تعالى يرجع إلى بصره وسمعه لا أنّ بصره وسمعه يرجعان إلى علمه (١).
أقول كما أنّ ارجاع سمعه إلى علمه بحجّة أنّه لا جارحة له غير صحيح ، كذلك ارجاع علمه في جميع الموارد إليهما غير تامّ إلاّ إذا كان المراد ارجاع خصوص علمه بهما لا مطلق علمه كما هو واضح.
وربّما يقال : « من أنّه إذا كان ملاك توصيفه سبحانه بالسميع والبصير هو حضور المسموعات والمبصرات فليكن هذا مبرّراً لتوصيفه بأنّه ذائق شامّ لامس لحضور المذوقات والمشمومات والملموسات عنده » وهذا غير تام لما عرفت أنّ شرافة الحسّين وكرامتهما وعظم نفعهما صار سبباً لتسميته سبحانه بهما دون غيرهما من أسماء الحواس الظاهرة ، مضافاً لما عرفت في باب توقيفيّة الأسماء وإنّ كلّّ اسم يكون موهماً لكونه جسماً أو جسمانياً فتكون التسمية به ممنوعة. نعم أهل الحديث والحنابلة والسلفية يصفونه سبحانه بهما على وجه يوهم كونه سبحانه سميعاً وبصيراً بنفس المعنى الموجود في الإنسان والحيوان ، وآخر ما يوجد عند المتظاهرين بالتنزيه منهم أنّهم يقولون : إنّه سميع وبصير بلا كيف.
__________________
(١) شرح الأسماء الحسنى : ص ٣٦ ، للحكيم السبزواري.