مهمّاتها استقلالاً فتصبح كجهاز العقل الآلي المعروف اليوم » وهذا يعرب عن أنّه تصور أنّ نسبة العوالم الامكانية إلى الواجب كنسبة البناء إلى الباني ، فإنّ القول بوجود القوىٰ في الأسباب الطبيعية ليس بمعنى استقلالها في الوجود والايجاد بل بمعنى أنّ وجودها وايجادها وجوهرها وآثارها قائمة به ومؤثّرة بحوله وقوّته وأمره وإذنه ، فهو الذي أعطى قوّة الاحراق للنار وقوة التبريد للماء : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ) ( يونس / ٥ ).
وينزل منه فيض الوجود إلى الممكنات دوماً وفي كلّ لحظة فلحظة وآن وآن.
وثالثاً : نتنزّل عن كلّ ما ذكرنا ونقول : إنّ نسبة العلل الطبيعية إلى الله سبحانه لا تقلّ عن نسبة الوكيل إلى الموكل والعبد إلى مولاه ، ومدير الشركة إلى أصحابها.
فالعبد يعمل لمولاه ، والوكيل يشتري ويبيع في متجر الموكّل ، والمدير يخطّط اُمور التجارة ويمهّد لها ، والكلّ مبادئ أفعال وآثار وفي الوقت نفسه ينسب أفعالهم إلى السيّد والموكّل وأصحاب الشركة ، وما ذلك إلاّ لأجل انّهم قاموا بهذه الاُمور ونالوا هذا المنصب بإذنهم وأمرهم وإرادتهم ، وإذا لم يريدوا حالوا بينهم وبين أفعالهم ، ولأجل ذلك فلو باع الوكيل دار الموكّل ينسب الفعل إليهما جميعاً لكن الوكيل غير مستقل والموكّل مستقل ، وفعل الوكيل فعله بالتسبيب.
هذا هو الخط الذي يجب أن يمشي عليه المفسّر في تنسيق هذه الايات وتفسيرها ، والمراد الايات التي ينسب الفعل الواحد إلى الله سبحانه وفي الوقت نفسه إلى الإنسان وإلى غيره وإليك نماذج من هذا النوع من الايات :
١ ـ يقول سبحانه : ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَىٰ ) ( البقرة / ١٢٠ ). فترى أنّه يحصر الهداية في الله سبحانه وفي الوقت نفسه يسمّي النبي هادياً ويقول : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الشورى / ٥٢ ). فما معنى الحصر المتقدّم ونسبة الهداية إلى النبي الأكرم ؟
والجمع أنّ الهداية الأصيلة القائمة بالله مختصّة به ، وأمّا الهداية المفاضة