التوفّي إلى الملائكة والرسل ، وهل يمكن أن يقال : إنّ النسبة الثانية والثالثة نسبتان مجازيّتان ؟ أو أنّ هناك وجهاً آخر به تنحلّ عويصة هذا النوع من الايات وهو انّ الممكن بذاته وفعله قائم به سبحانه ، قيام المعنى الحرفي بالاسمي ، لو قام بفعل أو تأثير فإنّما هو بقدرة مفاضة إليه في كلّ آن وآن ( إن صحّ التعبير بالآن من حيث هي أصغر وحدة زمنية نعرفها ).
وثانياً : إنّه ليس نسبة الممكن إلى الواجب كنسبة البناء إلى البنّاء حيث يستغني البناء عن الباني في بقائه ودوامه لأجل القوىٰ الطبيعيّة المودوعة فيه التي توجب تماسكه والتصاقه وبقائه ، فإنّ ذلك التصوير تصوير خاطئ ، فانّ الباني ليس موجداً للبناء حدوثاً ولا بقاء ، وإنّما هو علّة الحركة ، أي تحريك أدوات البناء من حجر وطين وجصّ وتركيبها ونضدها بشكل خاص ، وفي مثل ذلك يصحّ استغناء البناء عن الباني ولو غاب أو مات ، لبقى كما هو محسوس.
وأمّا نسبة العلل الطبيعية إلى الله سبحانه فليس من تلك المقولة فإنّها في حدوثها وبقائها ، ذاتها وفعلها محتاجة إليه سبحانه قائمة به والوجود ذاتاً وفعلاً ، يفيض من المبدئ دوماً آناً فآناً ، بحيث لو انقطعت الصلة بين رب العزّة والعلل الطبيعية لما كان منها عين ولا أثر ، فلا ترى الشمس ولا ضياءه ولا القمر ولا نوره ، وفي مثل ذلك لا يتصور استقلال الممكن في ذاته وفعاله ، وما ذكره الكاتب مبنيّ على حاجة العالم في حدوثه إلى البارئ لا في بقائه ، وهو تصوّر باطل لا ينسجم مع كونه ممكناً ولو أورد بالتشبيه والتنزيل فلنا أن نقول :
« إنّ نسبة العلل الطبيعية إلى الله سبحانه نظير نسبة المعنى الحرفي إلى الاسمي فإنّها لا تستغني عن المعنى الاسمي لا في عالم التصوّر ولا في مقام التحقّق عنه أو كنسبة الصور الذهنيّة إلى النفس ، وفي مثل ذلك التحدّث عن الاستغناء والاستقلال تحدّث خاطئ ».
وبذلك تعلم قيمة قوله « بعد أن اودعت فيها قواها المزعومة أصبحت تؤدّي