وقوله عزّ وجلّ : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ) ( الروم / ٢٥ ).
وقد علمنا أنّ امساك الله السموات والارض ورعايته لها وهدايته إيّاها للقيام بما توجّه إليها من الأوامر التكوينيّة وكلّ ذلك مستمر دائم يتجدد لحظة فلحظة.
فهل يتّفق هذا البيان الالهي لاسم الله « القيّوم » مع ما يقرره الفلاسفة من أنّ الله أودع في كلّ شيء طبيعة وقوّة فهو بها يحقّق آثاره ، وينتج معلولاته ، وذلك لأنّه إذا تصوّرنا الأمر على هذا النحو فقد بطلت صفة القيوميّة في ذات الله عزّ وجلّ وبطل معنى قوله : « يمسك السموات والارض أن تزولا » لأنّ الأشياء بعد أن أُودعت فيها قواها أصبحت تؤدّي مهمّاتها استقلالا ودونهما حاجة إلى أي عون مستمر فتصبح كالجهاز العقلي الآلي المعروف اليوم حيث لا يحتاج إلى أكثر من أن يملأ بالمعلومات التوجيهيّة إذ هو بعد ذلك يؤدّي عمله دون أي معونة مستمرة أو حتى رقابة من صاحب هذا الجهاز أو صانع (١).
يلاحظ عليه أوّلا :
انّه إذا كان الوحي الالهي هو المصدر الوحيد في ذاك المجال فالله سبحانه كما ينسب الآثار والأفعال إلى نفسه ينسب إلى جنوده وملائكته وعباده نسبة حقيقيّة سبحانه مع أنّه القيّوم ، ومعناه حسب قول الكاتب القائم بأمر المخلوقات على الدوام والاستمرار ينسب التوفّي إلى نفسه مرّة ويقول : ( اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ( الزمر / ٤٢ ). وإلى رسله ثانياً ويقول : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ) ( الأنعام / ٦١ ). وإلى الملائكة ثالثاً ويقول : ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) ( محمد / ٢٧ ).
ولا نشكّ في أنّ القرآن خال عن الاختلاف والتناقض ، فإذا كان معنى كونه قيوماً قائماً بأمر المخلوقات على الدوام والاستمرار ، وكان القول بأنّ هناك سبباً وعلّة اُخرى تقوم ببعض الاُمور في مجال الكون والطبيعة مخالفاً لذلك ، فما معنى نسبة
__________________
(١) المصدر نفسه : ص ١٧٦ ـ ١٧٧.