خلقه حجاب ، فحقيقة الشهادة عبارة عن فقدان الحجاب بين الشاهد والمشهود واحاطته به.
وبذلك يظهر : انّ تقسيم الأشياء إلى الغيب والشهادة ، تقسيم نسبي بالنسبة إلينا ، وأمّا بالنسبة إليه فالأشياء كلّها مشهودات فلأجل ذلك يقول : ( أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) والشهادة أمر اضافي له نسبة إلى الشاهد ، ونسبة إلى المشهود ، فلو كان شهيداً على كل شيء لكان الكل مشهوداً لا غائباً.
وبذلك يظهر أنّ ما نقل عن الكفعمي أحسن من غيره حيث يقول : « هو الذي لا يغيب عنه شيء أي كأنّه الحاضر الشاهد الذي لا يعزب عنه شيء ، وكونه شاهداً لكل شيء ، فوق كونه عالماً به ، فإنّ العلم يتحقّق بحضور صورة الشيء عند العالم دون حضور نفسه ، ولكن الشهادة أقوى وأوثق من العلم ، بل المتبادر منها حضور الأشياء بوجودها الخارجي لدى الباري ، وكيف والعالم فعله سبحانه وليس فعله غائباً عن ذاته ».
وهذا أولى ممّا نقل عن الغزالي وقال : يرجع معنى الشهادة إلى العلم مع خصوص اضافة فإنّه عالم الغيب والشهادة ، والغيب عبارة عمّا يطلب ، والشهادة عمّا ظهر وهو شاهد كليهما ، فإذا اعتبر العلم مطلقاً فهو العليم ، وإذا اُضيف إلى الغير والامُور الباطنة فهو الخبير ، وإذا اُضيف إلى الاُمور الظاهرة فهو شهيد ، وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد منه.
هذا والأولى ما ذكرنا من أنّ توصيفه سبحانه بكونه عالماً للغيب والشهادة بملاك كونه شهيداً على كل شيء وعدم غيبوبة شيء عن ذاته بملاك آخر.
وإلى ما ذكرنا صرّح بعض المحقّقين وقال : « إنّ الشاهد المدرك يرى ما لا يرى الغائب ، والحاضر المعاين المطّلع ، يعلم ما لا يعلمه الغائب ، وليس ذلك إلاّ لأن معلوماته كلّها حاضرة عنده ، مشاهدة معاينة مدركة له غير غائبة عنه ، ففي